الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

مقرر الادب في العصر الاموي _المستوى الثاني _الفصل الدراسي الرابع


بسم الله الرحمن الرحيم
جـامعة سنار
كلية العلوم الإسلامية والعربية
قسم اللغة العربية




مقرر الأدب في العصر الأموي

المستوى الثاني
الفصل الدراسي الرابع


إعداد
د. نميري سليمان علي


الأدب  فى العصر الأموي
مقدمة :ـ
المقصود بالعصر الأموي:
المقصود بالعصر الاموي هو تلك الفترة التى بدات سنه 40 هـ بسيطرة معاوية بن ابي سفيان على الدولة الاسلامية بعد مقتل الامام على بن ابى طالب وانتقال مقر الخلافة من الجزيرة العربية الى دمشق وينتهى بسقوط الدولة الاموية سنة 132هـ بقيام الدولة العباسية وانتقال مقر الخلافة الي بغداد .
حالة الادب فى عصر بنى امية :ـ
كان الشعر فى العصر الجاهلى فى المرتبة الاولي وكان النثر فى المرتبة الثانية فلما ظهر الاسلام تقدم النثر لنزول القران نثرا وكذلك الحديث الشريف وتنوعت مجلات الخطب   وخمدت  ريح الشعر الذى كان يدعو الي الفخر بالباطل والعصبية القبلية والغزل المريح ووصف اللهو والخمر .
فلما قامت الدولة الأموية وكثرت الخلافات السياسية والقبلية انطلق الشعر مرة أخرى فى كل المجالات نظراً لتعدد الاحزاب وانتشار المفاخرة بين الشعراء كما نجد فى شعر التقائض لجرير والفرذدق والاخطل وشعر الكميث وغيرهم وساعد الخلفاء على اشتعال نار التعصب القبلى ليشغلوا الناس عن المشكلات السياسية كما اطلقوا الحرية للهو والتعبير عنة فازدهر شعر الغزل بنوعية العذرى والصريح واستمر النثر فى ازدهار ايضاً .

ازدهار النثر فى العصر الأموي واثر القران والحديث فية :ـ
ازدهار النثر فى العصر الاموي وازدهار فنونه لتعدد الاحزاب والصراع بينهما فكل حزب يدافع عن نفسه بالخطب ويهاجم غيره فضلا عن الخطب الدينية والحربية والدعوة الي الجهاد فقد كان للامويين حزب يناصرهم طمعاً فى العطاء او تعصباً لبنى امية وللشعبية خطباء يؤيدون حقهم في الخلافة وينكرون موقف معاوية وللخوراج خطباء بارعون فى اثارة المشاعر الدينية والدعوة الى المساواة السياسية وتنوعت الرسائل وتعدد اغراضها حيث ازدهرت الرسائل الديوانية على يد عبدالحميد الكاتب وكثرت الرسائل المتبادلة بين الخلفاء والامراء والولاة فضلاً عن رسائل خاصة فى التهنئة والتعزية والشكر وظهرت مجالس ادبية في قصور الخلفاء والادباء تدور حول النقد الادبي والموازنة بين الادباء وكان القران الكريم والحديث الشريف اثرهما الواضح فى النثر الاموي من ابتداء يالبسملة وحمد الله والصلاه والسلام على رسول الله مع الاستشهاد بالايات الكؤيمة واحاديث النبى (ص) .
العوامل التي أثرت فى الأدب العربي فى العصر الأموي :ـ
1/ انتقال مقر الخلافة الى دمشق جعل الشباب فى الجزيرة العربية يشعرون بالفراغ نتيجة ابتعادهم عن الحياة السياسية فاقبلوا على شعر الغزل بنوعية سواء الصريح او العفيف الذى يصف مشاعر الشوق وقوة عاطفه الشاعر نحو محبوبتة .
2/ حياة الترف والحياة المتحضرة البعيدة عن شظف   العيش وخشونة الحياة التي عاشها بعض الشعراء جعلهم يقبلون على الشعر العربى والشعر الذى يصف مجونهم وشرابهم وكثرة الغناء فى مجالسهم ومن امثلة هذا الشعر شعر عمر بن ابى ربيعة وابن قيس الرقيات والاحوص فى المدينة والوليد بن يزيد فى دمشق .
3/ انتشار الغناء والمبالغة فيه فمما يذكر ان يذيد بن عبدالملك كان يرسل فى طلب المغنين والمغنيات فقد اشترى مغنية مشهورة باربعة الاف تسمي حبابة واخرى بعشرين الفاً هى سلامة القس .
4/ ظهور الفرق السياسية المتنزعة على الحكم التي كانت تحتاج الى شعراء يؤيدنها ويدافعون عنها مثل الشيعة الخوارج الزبيريون بني امية كان عاملاً فى ظهور الوان من الشعر والنثر ذات الموضوعات الجديدة التى تلائم الظروف .
5/ كان الخلفاء الامويون يقربون الشعراء منهم لمدحهم وللدفاع عن سياستهم مما جعل يعض الشعراء يتنافسون من اجل الحصول على منح وعطايا الخلفاء لهم .
6/عودة التعصيب القبلى الذى قضى علية الإسلام من قبل والذى شجعه الحكام لإبعاد الناس وشغلهم عن السياسة وعيوب حكمهم .
خصائص الأدب في العصر الأموي :
1/ الشعر :
من حيث الاغراض :ـ
بالاضافة الي اغراض الشعر المعروفة عن العرب منذ العصر الجاهلى فقد ظهرت الوان جديدة حتي تواكب العصر والصراعات التى شاعت فى العصر الاموي منها .
&الشعر السياسى :ـ
وكان موضوعه الدفاع عن المذاهب السياسية المختلفة سواء الشيعة او الخوارج او بنى امية او انصار عبدالله بن الزبير فقد اصبح لكل حزب سياسي الشعراء الذين يدافعون عنه ويبثون احقيته بالحكم ومن امثلة هؤلاء الشعراء الفرذدق الذى كان يمدح بنى امية وعمران بن حطان وابو خالد القناني وقطرى بن الفجاءة من شعراء الخوارج ويمتاز شعرهم بانه ينفذ الى القلوب نفوذاً فهو يصدر عن عقيدة وايمان شديد بهذه العقيدة .
شعر الغزل :ـ
وقد كان الغزل فى العصر الجاهلى ينحصر فى مقدمة القصيدة فاصبح فى العصر الاموى غرضا شعرياً مستقلاً بل وقف عليه بعض الشعراء شعرهم كله وشعر الغزل نوعان :
أ)الغزل الحضري والغزل الصريح :
وهو يتناول مفاتن المرأة الحسية ومن الشعراء الذين اكثروا من هذا اللون الشاعر عمر بن ابى ربيعة وعوامل ازدهاره :
·       حياة الترف والرخاء التى عاش فيها بعض الشعراء .
·       شيوع الغناء فى عواصم البلاد العربية وانتشار مجالس اللهو والشراب .
·   انصراف كثير من شعراء الحجاز عن المشاركة منذ ان انتقلت عاصمة الخلافة الى دمشق بالشام مما حملهم على التفرغ لشعر الغزل والاهتمام به .
ب)الغزل البدوى العذ رى (الغزل العفيف ):ـ
وهو يقوم على العاطفة الصادقة ويخلع على المراة ثويها من القداسة ويتناول معاني الوجد والشكوى والطهر والوفاء والبعد عن ذكر محاسن المراة ومفاتنها وعوامل وازدهاره هي :
·       الفراغ الذى عاشه شعراء البادية .
·  الغيرة على المراة والمحافظة على التقاليد البدوية ويمثل هذا اللون مجنون ليلى وجميل بن معمر .
ومن الاغراض الشعرية الجديدة التى ظهرت فى تطور من غرض الفخر والهجاء معاً وهو فن النقاقض والتي جرت بين جرير والفرذدق والاخطل والبعيث
شعر النقائض :ـ
هى قصائد امتزج فيها الفخر بالهجاء وكثرت فيها الإشارة الى ماضي اللقبائل فى الجاهلية وحاضرها فى عهد بنى امية حيث يقول الشاعر القصيدة فيرد علية خصمة بقصيدة من وزنها وقفية ويتعصب افكارة ومعينة فيرد عليهن وكانه يريد ان يظهر تفوقها علية من ناحية المعاني ومن ناحية الفن نفسة وقد شجع النقاد وعلماء اللغة هذا اللون من الشعر ورحبت به العامة حيث وجدت فيه ملهاة ومشغلة بنصرة هذا الشاعر او ذاك حتى شاع هذا اللون فى العصر الاموي شيوعا لانجد له نظيراً   فى سائر عصور الادب العربى ومنه قصيدة جرير ورد الفرذدق عليه.
أ/من حيث الاداء الفني :ـ
1/ فى جانب المعاني والافكار :
تاثر كثير منها بروح الاسلام وتميزت بالخطب والثراء والعمق والغزارة الى جانب تقليد بعضها لمعاني شعراء الجاهلية ولاسيما فى الفخر والهجاء كما فى شعر حرير والفرذدق .
2/ من جانب بناء القصيدة :
ظل الشعراء فى العصر الاموي يتقيدون بنظام القصيدة الموروث عن الجاهليين حتي الشعراء الحضريون الذين تغيرت بيئتهم عن بيئه اهل البادية من شعراء الجاهلية ظلوا يستهلون القصيدة بوصف الاطلال وبكاء الديار .
ولكن هنالك طائفة من شعراء الغزل فى الحجاز على تعدد الاغراض فى القصيدة الواحدة اذا ظهرت قصائدهم وحدة الغرض فجعلوا قصيدتهم غزلاً كلها كما كان شعر هؤلاء ارق لفظاً واعذب اسلوباً .
3/ فى جانب الصياغة :
من حيث الصور والخيال مستمراً من البيئةالعربية وتاثير الشعراء بالاسلام .
4/ من حيث موسيقى الشعر :
اصبحت موسيقى الشعر واضحة النغم فى الاوزان والقوافى .
2/ النثر :ـ
نتيجة لكثرة الفتن والحروب والتنازع على الحكم بين الاحزاب السياسية فقد ازدهار الادب شعره ونثره ونال النثر من التطور اكثر مما نال الشعر حتى بلغت الخطابة والكتابة منزلة عظيمة .
أ)الخطابة :ـ
واصلت الخطابة سيرها فى عهد بنى امية فجعلت بها النوداى والقصور وراحت الاحزاب تؤرث نيرانها وكثرت فيها اسليب التهديد والانذار والوعيد كما جنحت بقوة الى الموسيقى الصوتية وضروب التحبير والتحسين وما الى ذلك مما قامت اليه الصنعة ومن اشهر خطباء تلك الحقبة زياد بن ابيه والحجاج بن يوسف .
ب)الكتابة :
انتشرت الكتابة وارتفع شائنها فى العصر الاموى نتيجة بعض العوامل االتى عملت ذلك منها .
1/ اتساع رقعة الدولة وحاجة الخلفاء الى مكاتبة الولاة والقادة .
2/ ظهور مجموعة من الكتاب الذين عملوا فى ديوان الانشاء .
3/ تعدد الدواوين .
4/ ازدهار مجالات الحياة نتيجة لاتساع الدولة .
5/ نمو الحضارة ونضج  الحركة الفكرية .
6/امتزاج الثقافة العربية بالثقافات الاجنبية للامم التي اظلها الحكم الاموي .
نتيجة للعوامل السابقة ازدهر ادب الرسائل بنوعيها العامة والخاصة                                                                                                                                                                                                                                             
أحوال العصر الدينية والسياسية والاجتماعية :ـ
الحياة الدينية :ـ
كان عرب الجاهلية فى أكثر إنحاء الجزيرة العربية وثنيين ماديين لايهمهم من الحياة سوى المتع الحسية فلما جاء الاسلام أضاء قلوبهم بمثالية روحية كريمة تقوم على نبذ الحياة الدسنة القديمة الى حياة طاهرة جديدة كلها عبادة وتبتل الى الله وتوسل إلية ومجاهدة النفس وحتى ترفض عرض الدنيا وتطلب ثواب الآخرة.
وقد حض القران الكريم فى غير موضع على التقوى فقال جل شأنه (انما يتقبل الله من المتقين).كما حض على ذكر الله وتسبيحه فقال تعالى :( يايها الذين امنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً  و سبحوه    بكرة وأصيلا )وقال تعالى :(ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر ).
وبجانب ذلك نجدد دعوة الى التوكل على الله حق توكل من مثل قوله تعالى :(وعلى الله فليتوكل المتوكلون )كما نجد دعوة الى الزهد فى متاع الدنيا ومغانمها من مثل قوله عز وجلL :(فعند الله مغانم كثيرة )وصور الذكر الحكيم تصويراً رائعاً نعيم الجنة التى اعدت للمتقين وعذاب النار التى اعدت للعاصين وفى الوقت نفسه حث القران الكريم فما غير موضع على الخلوص لله ولاستسلام له والانقياد الية فهو ذو السلطان غير المحدود وهو ايضا غفور رحيم ( كتب على نفسه الرحمة ) ( ورحمتي وسعت كل شى ).
ودائما نجد إشارات وتوجيهات الى العمل الصالح وان الفائزين برضوان الله هم ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر ) وكلمة سائحين وسائحات قد تفيد الرحلة عن الدنيا ومتعها .
هذا كله صرف  كثير من المسلمين الاولين الى الزهر فى حطام الدينا واكد لهم الحديث النبوى ذلك من مثل ما يروى من ان رجلا قال للنبى صلى عليه وسلم : (دلني على عمل اذا انا عملته احبنى الله واحبني الناس    وازهد فيما فى ايدى الناس يحبك الناس ).
فاندفع كثير من الصحابة فى حياة ناسكة كلها تقوى وعبادة ورفض لزخرف الدينا وتقشف وابتهال الى الله وتوكل عليه وانتظار لما عنده ومن هؤلاء الصحابة معاذ بن جبل وابو بكر وعلى وعمر الذى كان يقول استغزروا الدموع بالتذكر .
وكان ابنه عبد الله من كبار الزهاد ورسم ابن سعد لزهده فى طبقاته صورة طريفة فقال : انه كان يترك الحمام بعده من رقيق العيش وكان لايلبس الخز ولايشرب فى اقداح مفضضة ولا من زجاج انما كان شديد المجاهدة لنفسه فكان يقضى الليل مصليا والنهار صائما .
ومن الصحابة الاولين الذين اشتهروا بالعبادة والزهد حذيفة بن اليمان وابو الدرداء الذى يروى عنه فى الزهد عبارات مأثورة من مثل قوله(اضحكنى ثلاث وابكاني ثلاث اضحكنى مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل ولايغفل عنه وضاحك ملء فيه لايدرى ساخط ربه ام راضى وابكانى  حول المطلع وانقطاع العمل وموقفى بين يدى الله يدرى ايامر بى الى الجنة ام الى النار وكذلك كان سالم مولى ابى حذيفة الذى يقول فية عمر :(ان سالما كان شديد الحب لله ).
وكل من يدرس هذه الموجة من الذهد ويتعقبها فى الاقاليم الاسلامية فى اثناء عصر بن امية يستطيع ان يلاحظ فى وضوح ان اهم اقليم انتشرت فيه هذه الموجة هو اقليم العراق وقد تاثر فيها بعناصر اجنبية اذ نرى قتادة احد ذهاده ينقل عن التوراة كما نرى الشعبي احد عباده ينقل عن عيسى بن مريم عليه السلام .
وقد يكون ذلك لاتصال العراق بالرهبنه المسيحية ومع ذلك فلم يكن اكثر صلة بها من الشام ومصر فلابد من أسباب اخرى دفعت اهله الى اعتناق هذا الزهد والمبالغة فيه واكبر الظن ان الحرب الداخلية الطويلة التى استمرت هنالك طوال عصر بنى أمية هى التى أعدت لذلك فان بعض من خسروا هذه الحروب ولم يستطيعوا اقتناص الدنيا من ايدى الاموين تحولوا الى الزهد فيها ووضعوا امانيهم فى الاخرة وما وعد الله به عباده المتقين ولاريب في انه كان لظلم ولاة بنى امية وتعسفهم مع العراقيين اثر فى ذلك ويكفى ان نعرف ان الحجاج قتل فيما يقال صبرا وغلية مائة الف وعشرين وغيره من ولادة العراق مثل خالد القسرى ويوسف بن عمر لم يبلغوا فى القتل مبلغه ولكنهم كانوا ايضا قساة ظالمين ولم يكن لدى الناس امام هذا الظلم وتلك القسوة وما استولى على نفوسهم من فرح وخوف الا ان ان يعتصموا بحبل الله وينصرفوا عن متاع الدنيا إلى متاع الاخرة .
معنى ذلك أن عوامل مختلفة هيات لاتساع موجة الزهد في العراق . وغن من يقراء الجاحظ في بيانه وهو يعدد ذهاد لكوفة والبصرة ويطيل في تعدادهم ويفتح الفصول الخاصة لذكرهم والنقل عنهم يخيل الية ان ذهاد  العصر الاموى كلهم منبثين في العراق ولاشك في ان الزهد كان له اصحابه فى الحجاز كما كان له اصحاب فى الشام ومصر وكذلك العراق هى التى سبقت فيه للاسباب التى ذكرنها فقد اندفع كثيرون هنالك الى العبادة والنسك وعرف جمهورهم باسم القراء والكلمة اخذت اولا من قراءة القران ثم اصحبحت تطلق على هؤلاء الذين اخلصوا انفسهم لله فتقشفوا وتنسكوا وعاشوا معيشة زاهدة بل معيشة تقوم على المجاهدة ورياضة النفس .
ولم تقف هذه الموجة عند الرجال تعدئهم الى النساء وقد عد منهن الجاحظ رابعة القيسية ومعاذة العدوية وامراة صله بنى اشيم ومن نساء الخوارج البلجاء وغزالة وقطام وحمادة وكحيلة ومن نساء الغالية ليلى الناعطية وصروف وهند .
وانما استطردنا كل هذا الاستطراد فى بيان هذه الموجة الدينية من الزهد والتقشف والنسك والتعبد لندل فى وضوح على ان شعراء عصر بنى امية نبتوا فى جو جديد فية روحية مثالية وفية ايمان بعالم اخر فوق حسهم وشعورهم  .
وهذا كله طبع نفسية كثير من الشعراء فى العصر الاموى بطوابع جديدة لم تكن مالوفة فى العصر الجاهلى عصر الوثنية لسبب بسيط هو ان الشعر تعبير النفس وهو يتاثر بكل ما يوثر فى النفس من ظروف طبيعية مادية او روحية او معنوية فالشعر الاموى كتب فى ظلال نفسية جديدة امنت بربها واستشعرت حياة نقية صالحة فيها نسك وعبادة وفيها تقوى وزهد وليس معنى ذلك ان ذلك كل الشعراء كانوا ناسكين زاهدين وإنما معناه ان الحياة الروحية الجديدة لم تنفصل عن حياتهم الفنية بل أثرت في كثير من جوانبها وطورتها وظهر هذا التطور في صور مختلفة ويكفى ان نتصفح ديوان شاعر كالفرزدق الذى اشتهر بفسقه واشتهاره لنعرف انه لم ينفصل عن الاسلام وانه تاثر به فقد حضر هو والحسن البصرى جنازة زوجه النوار فقال له الحسن وهو بازاء القبر ماذا اعددت لهذا الممضجع قال شهادة ان لا اله الا الله منذ ثمانين سنة فقال له هذا الحسن هذا العمود الطنب فقال فى الحال:
اخاف وراء القبر بان لم يعافى * اشد من القبر التهابا واضيقا
اذا جاءني بيوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من اولاد دارم من مشى * الى النار مغلول القلادة موثقا
يقاد الى نار الجحيم مسر بلا * سرابيل قطران لباسا محرقا
فالفرزدق المستهر لم يكن الإسلام بعيدا عن نفسه بل كان يعمل فى سريرته وسترى حين ندرس مدائحه انه يمدح بعناصر إسلامية كثيرة ويروى انه قيد نفسه والى ان لاينتزع القيد من رجله حتى يحفظ القران .
وما من ريب فى اننا كلما انعمنا النظر فى ديوان شاعر اموى وجدنا هذا الجانب الدينى الجديد فى صور مختلفة واذا كان الفرذدق على استهاره الذى شهر به يتاثر هذا التأثر الاسلام فى شعرة فاولى بغيرة ان يكون تاثر هذا بالاسلام فى شعره بغيره ان يكون تاثرهم اعمق واحد وخاصة من عرفوا بالعفاف والتدين فخصمه جرير التقى العفيف نجد فى شعره مظاهر كثيرة لتدينه وعفته سنعرض لها فى غير هذا الموضع ويروى عنه انه كان يبكى حين تمر به الجنائز ويقول :(احرقتنى هذه الجنائز ) وله فى زوجه ام حزرو رثاء مشهور يقول فيه :
صلى الملائكة الذين تخيروا * والطيبون عليك والإبراز
وسنرى حين نعرض لمدائحة انها كانت تستمد من العناصر الإسلامية وكذلك كانت أهاجيه مع الأخطل المسيحي ومع الفرزدق الذى يرميه دائما بالفسق والمجنون .
ومعنى ذلك ان الحياة الدينية طورت الشعر الاموى وأثرت اثرا عميقا فى نفوس الشعراء واصبح من غير الممكن ان ينظموا شعرا لاتتضح فيه عناصر هذه الحياه  ومن اهم ماكان من ذلك انهم اصبحوا لايمدحون احدا الا وضعوا الصفات الدينية ايجابا وسلبا فى مديحهم وهجائهم واسمع الى كثير يمدح عمر بن عبدالعزيز .
وصدقت بالفعل المقال مع الذى * اثبت فامسى راضيا كل مسلم
وقد لبست ليس الهلوك ثيابها * تراءى لك الدينا يكف ومعصم
وتومضى احيانا بعين مريضة * وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فاعرضت عنها مشمتئزا كانما *سقتك مدوفا من سمام وعلقم
تركت الذى يفنى وان كان مونقا * واثرت ما يبقى براى مصمم
واصررت بالفانى وشمرت للذى * امامك فى يوم ومن الشر مظلم
فهو يمدح عمر بانصرافه عن الدنيا مع تعرضها ويقول انه زاهد في ملذاتها وثمارها الفانية   لانه يريد الثمرة الباقية من ربه يريد رضوانه وفردوسه وغير الخلفاء من الولاة والعمال كان الشعراء يمدحونهم ايضا بهذه العناصر الدينية ويشبهها من مثل قول ابن قيس الرقيان فى مصعب بن الزبير والى العراق لاخية عبدالله :
انما مصعب شهاب من الله   *   تجلت عن وجهه الظلماء
ملكة ملك قوة ليس فية    *     جبروت ولابه كبرياء
يتقى الله فى الامور وقد افلح   *   من كان همة الاتقاء
وما تناولناه فى حديثنا عن الحياه الدينية في عصر بن أمية يدل دلاله واضحة على ان الشعر تطوربتطور الحياة الدينية   فكانت هذه الحياة فى مستقر نقوس الشعراء حتى تتحول قطع من نظمهم الى عظات وابتهالات دينية .
 الحياة السياسية :ـ
لم تكبر الحياة السياسية فى عصر بن امية حياة هادئة بل كانت حياه ثائرة اذا كان الأمويون يعدون فما رأى كثير من الأمة الإسلامية غاصبين للخلافة والبلد الوحيد الذى كان هادئا الى حد ما هو الشام فقد وجد اهله من بنى امية ورثه شرعيين لا ل جفنة واستطاعوا عن طريقهم ان يحققوا ما لم يكونوا يحلمون به فى القديم واذا اشرفوا وسادوا على العراق مركز المناذرة خصومهم فى الجاهلية فحسب بل على العالم الاسلامى كله .
واذا تركنا الشام الى الحجاز والعراق وجدنا فيهما فنونا من السخط على بنى امية وحكومتها وسرعان ما تكون تحت هذا السخط احزاب سياسية ثلاثه كانت تعارض بنى امية وتخاصمهم وتدعو الى الانتفاض عليهم وهى احزاب الزبيريين والخوارج والشيعة وقد تاللفت هذه الاحزاب حول فكرة الامامة او الخلافة ومن احق بها من المسلمين ام حزب الزبيريين وهم اتباع عبدالله بن الزبير فكان يرى ان تعود الخلافة الى الحجاز وان يتولاها احد ابناء الصحابة الاولين لايزيد بن معاوية بينما كان حزب الخوارج فى العراق يري ان ترد الخلافة الى العرب المسلمين جميعا ليولوا عليهم أكفاهم وأجدرهم بها وكان بجوارهم فى العراق أيضا حزب الشيعة وكان يرى ان ترد الخلافة الى بنى هاشم فهم بيت الرسول (ص) وهم أصاحبها الحقيقيون .
الحياة الاجتماعية :ـ
لعل اول ما نلاحظ فى هذا الصدد ان الحجاز والشام تميزت فى هذا العصر بضروب من اللهو لم تعن بها البيئاات الاخرى عنايتها وكان على راس هذه الضروب فن الغناء .
فقد تكونت فى الحجاز تحت تاثير الترف وفراغ كثير من الشباب للهو نظرية غناء شارك فيها العرب والموالي ولم تلبث هذه النظرية ان انتقلت الى الشام اذا كان هنالك اتصال دائم بين مغنى الحجاز ومغنيائه وبلاط الخلفاء .
ويخيل لمن يتصفح كتاب الاغانى انه لم يعد للناس فى مكة والمدينة فى اثناء هذا العصر من عمل سوى للغناء حتى القباد والفقهاء كانوا يطلبونه ويروى ان مالكا صاحب المذهب المعروف حاول فى اول امره ان يكون مغنيا واشتهر عطاء وابن جريح من فقهاء مكة بأقبالهما على سماع المغنين .
ولم يلبث خلفاء بنى امية استثينا معاوية ان طلبوا هؤلاء المغنين وبالغ فى ذلك يزيد بن عبدالملك فكان يرسل فى طلب المغنين والمغنيات من الحجاز واشترى مغنيتين مشهورتين احدهما بأربعة ألاف دينار وهى حبابة والثانية وهى سلامة القس ونشا ابنه الوليد على مثاله فكان بلاطة يكتظ بالمغنيين مثل معبد ويحي قيل والهذلي والابحر وابى كامل الغزيل.
وإذا رجعنا نبحث فى شعر الحجاز والشام لهذا العصر وجدناه فى اكثره يؤلف لهولاء المغنين فهو شعر غنائى بالمعنى الكامل اذا هو يعبر عن احوال وجدانية فمعظمه يدور حول الحب ثم هو يؤلف ليغنى فعلا وهذا هو معني اكتمال من الناحية الغنائية .
وتستطيع ان ترجع الى شعر عمر بن ابي ربيعة وابن قيس الرقيات والعرجى فى مكة والاحوص فى المدينة والوليدبن يزيد فى دمشق لترى ان شعرهم جميعا يعبر عن ذوق جديد وحضارة جديدة فهو شعر قيل تحت تأثير ترف لم يكن للعرب فى الجاهلية عهد به فقد بنى العرب القصور واكتظت قصورهم بالجوارى الاجنبيات من كل لون واترف ذوقهم واترف شعورهم وعاش الموالى فى خدمتهم وقاموا على فن الغناء الذى كان يحبونه فاحكموه احكاما دقيقا .
ومن هنا كان كل من يقرا شعر هولاء الشعراء يحس بفوارق شديدة بينهم وبين إبائهم فى الجاهلية فهم من إحساس جديد إحساس مترف عاش اصحابه به عيشة  متعجرفة  لاتتصل بشظف العيش ولا خشونه الحياة واقرا شعرهم الذى يروية صاحب الاغانى تجده شعرا خفيفا يطير عن الافواه طيرانا ليعلق بالقلوب والاذان وهو شعر كان يذهب كله فى تصوير صفه الحب الحديثة فى الحجاز والشام حب هذا الشباب المترف الذى اصبح قوام حياته التهاللك على المراة واظهار كل تفان فيها كل رقة شعور.
بيئات الشعر ومراكزها المختلفة
بيئة الحجاز:ـ
يمتد الحجاز فى غربى الجزيرة العربية محاذيا للبحر الاحمر من ايله العقبة شمالا الى اليمين جنوبا وكلمة الحجاز ومعناه الحاجز تدل على حقيقة هذا الاقيم فهو سلاسل من جبال تسمى جبال السراة تحجز بين نجد شرقا وتهامة غربا وتتخلل هذه السلاسل وديان ذات زرع واخرى غير ذات زرع .
وفى وداد من الوديان الاخيرة تقوم مكة حول بئر زمزم بينما تقوم الطائف على بعد سبعين ميلا جنوبيها فى بقعة خصبة تشتهر بالبساتين النضرة وتقوم فى الشمال يثرب فى هذه الواحة التى شقتها الطبيعة بين حرات مختلفه .
وكان الحجاز فى العصر الجاهلي طريق القوافل المصعدة شمالا الى البحر المتوسط الى الشام ومصر والمنحدرة جنوبا الى حوض المحيط الهندى الى اليمين وقد استقرت مفاتيح هذه القوافل وما تحمل من عروض التجارة فى ايدى اهل مكة فكانت تحمل قوافلهم تجوب الصحراء شمالا وجنوبا وشرقا ايضا حيث كانت تحمل سلع الفرس وما ينزل على الخليج الفارسي من سلع الهند .
ونشطت مكة فى هذه التجارة وأواخر العصر الجاهلي نشاطا هائلا ليظن بعض الباحثين انها كانت جمهورية تجارة ممتازة فقد كانت حينئذ اهم حلقه للاتصال بين حوض البحر المتوسط وحوض المحيط الهندي وساعد على ذلك ان طريق الموصلات الى الشام كان مقفلا بسبب الحروب المستمرة بين الفرس والروم وأيضا فان الملاحة فى البحر الأحمر ضعفت بسبب كثرة القراصنة فيه فلم تعد هنالك وسيلة للصلة بين الشمال والجنوب ونقل توابل الهندى وعروض اليمن وسلع الحبشة والعراق سوى هذه القوافل التى امسكت مكة بزمامها .
وهذه المركز لمكة فى الجاهلية جعلها بحكم قوافلها وتجارتها تتصل بعناصر مسيحية واغريقية وفارسية مختلفة فقد كان بها جالية من الحبشة والروم المسيحيين ويظهر انه كان بها  لبزنطة مندبون وهذا لا شك يؤكد الصله بينهما وبين العالم المسيحي الاغريقى عالم البحر المتوسط وهو العالم الذى كانت تتجر فيه وكان بعض القساوسة يزورون اسواقها ويعظون فيها الناس ويذكر اليعقوبي فى تاريخه ان جماعة من اهل مكة تنصروا فى الجاهلية منهم ورقة بن نوفل .
وفى يثرب وعلى طول الطريق الى الشام فى الشمال كانت هنالك مستعمرات يهودية مبنية فى خيبر وادى القربى وتيماء وهى مستعمرات رحل اليها اليهود منذ اضطهدهم اباطرة الرومان من مثل ادريان الذى طردهم من فلسطين عام 132م .
وقد استمر اليهود قبل نزولهم الحجاز احقابا متطاولة تحت الحكم اليونانى الرومانى وكانوا منتشرين فى حوض البحر المتوسط على العموم وكان اذ ذلك حوضا للثقافة وطبيعى ايضا ان يسرب شئ من ذلك الى يهود الحجاز يحملوله معهم فى اثناء هجرتهم تارة ويحمله اليهم يهود جدد راحلون تارة ثانية .
ومعنى ذلك ان الحجاز فى العصر الجاهلي كان متصلا بالحضارة الرومانية الإغريقية وأيضا فانه اتصل بالحضارة الفارسية إذا كان كثير من أهله يفدون على الحيرة ويتصلون بالفرس ويأخذون عنهم فالحجاز لم يكن مغلقا فى العصر الجاهلي امام الحضارئين الفارسية والرومانية والاغريقية بل كان على اتصال بهما حتى اذا افاء الله عليه نعمة الاسلام واخذت الويته تخقق فى فى ربوع فارس والشام ومصر اندمج اندماجا معها الوان الحضارتين اذ صبت فيه كنوز الارض وانصبت معها الوان  الحضارتين   الكبيرتين .
وهنا يحدث تطور واسع فى حياة الحجاز فقد اصبح لايقل فى شى عن العالمين المتحضرين من حوله اذا اصبح ابناءه وخاصة من قريش سادة العالم وقد احتكوا احتكاكا شديدا بابناء الامم الأجنبية الذين استرقوهم وأحضروهم معهم الى مكة والمدنية لينهضوا بهما فى جميع جوانب الحياة .
واكبر الظن ان هذه البيئة من بيئات الشعر فى عصر بنى امية قد اتضحت لنا فهى من ناحية بيئة تحضرت واترف ذوقها واصبح اهلهها يمثلون رقة فى الشعور ورقة فى الحس لم تكن لابائهما لسبب طبيعى هو انهم ابناء حضارة جديدة وعصر جديد فيه ترف ونعيم وفيه هذه التاثيرات الحضارية التى ترهف الحس وترقق الشعور بل تجعل بعض الناس حسا وشعورا خالصين .
وطبيعى ان ينفصل شعر هذه البيئه المتحضرة عن الشعر الجاهلى القديم فكل من يتابع درس شعر الحجاز لهذا العصر يلاحظ ان الهجاء يقل فيه قله شديدة كما يلاحظ ان المديح لم يعد اللون الصارخ فى الشعر فاى اكثر الحجازيين لم يكونوا فى حاجة الى التكسب بشعرهم انما اللون الذى يستنفدهم هو الغزل وهو لون يتلاءم مع رقة الحس ورقة الشعور وايضا فانه يتلاءم مع فن الغناء الجديد .
ومن هنا اكثر الشعراء فى الحجاز لهذا العصر شعراء حب وغزل على نحو مانعرف عند عمربن ابى ربيعة والعرجى وابن قيس الرقيات فى مكة والاحوص فى المدنية فقد ذهب شعرهم جميعا فى التغنى بقصة الحب واحداثه ووقائعة وعبروا فى ذلك عن رقة حس شديدة وكاد شعرهم يتحول فى كثير من جوابنه الى انفاس خالصه .
ومعنى ذلك ان الشعر طبع فى اثناء العصر الاموى فى الحجاز بطوابع حضارية اثرت فى الحس والشعور كما اثرت فى عمل الشعر نفسه عن طريق فن الغناء ونظريته الجديدة ولعل من اهم ما يلاحظ بصدد هذا الفن انه احال شعر الحجازين الى مايشبه ان يكون عملا مشتركا بين الشعراء وبين المغنيات   والمغنين اذ كان الشاعر ينظم شعره ثم يعرضه على من حوله من المغنين والمغنيات ليفتو به فكانوا يحورون فيه حتى يتلاءم مع الحافهم وانغامهم .
واذن فالشعر لم يعد في الحجاز عملا مستقلا يقوم به الشاعر بل ليصبح عملا يعتمد على عمل اخر او قل اصبح فنا يعتمد اعتمادا على فن الغناء والحانه وانغامه وهو فن كان ينهىض به الموالى من المغنين والمغنيات .
وهؤلاء الموالى لم يؤثروا فى الشعر فقط عن طريق نظرية الغناء التى استحدثوها بل اخذوا  يؤثرون فيه مباشرة فان كثير منهم اخذ  يتقن صناعه بحيث لانصل الى الاخر القرن الاول للهجرة واوئل الثانى حتى نجد بين الموالى من يشتهرون بنظم الشعر مثل ابى العباس الاعمى فى مكة وإسماعيل بن يسار النسائ واخوته فى المدينة واخذ يظهر بين المغنين الاجانب انفسهم من يحسن نظم الشعر مثل ابى سعيد مولى فائد وكان مغنيا وشاعرا ومثل سلامة القس وكانت تحسن الشعر والغناء جميعا .
فالحجاز فى هذا العصر الاموي كان مسرحا لشعر غنائى تام يقوم على وصف قصة الحب من جهة كما يقوم على الصلة الدقيقة بالغناء والحانه من جهة اخرى فهو شعر قيل ليغنى وليصحب بالعزف والضرب على الالات الموسيقية .
بيئة نجد
 هى الصحراء الداخلية لجزيرة العرب وهى تمتد من الحجاز غربا الى الخليج العربي ووادي الفرات شرقا وليس فيها انهار جارية أنما فيها أودية تهبط فيها الإمطار وتنمو حولها بعض الاعشاب والمراعى ويمكننا ان نميز فى هذه الرقعة الكبيرة صحراء النفود التى تقع فى شماليها وتشتهر بكثبانها الرملية وقله ابارها ولولا رطوبة جوفها التى تسمح بنمو النباتات الصحرواية ذات الجذورالطويلة من مثل الاثل والارطى  وكذلك نمو بعض الاعشاب لتعذرت الحياة في وفى جنوبى هذا الصحراء الشمالية نجد جبلى طيئى وسلمى وهما يمتدان فى شكل هلال كبير والجو بهما صحى والطقس منعش وتسقط بعض الامطار التى تؤهل المراعى .
وتضيف صحراء النفود كلما اتجهنا شرقا حتى نصل بواسطة برزخ ضيق اى صحراء الدهناء الشرقية تلك الصحراء التى تسقط سقوطا شديدا نحو الخليج العربى وتمتاز بكثرة وديناها وينابيعها واذا انتهينا الى جنوب هذه الدهناء وسرنا غربا اصبحنا فى دهنا كبيرة تسمى الربع الخالى وشرقى الحجاز تكثر فيها المرتفعات كما تكثر الوديان الا ان طقسها اكثر احتمالا .
وهذه الصحراء هى موطن البدو او القبائل الرحل من العرب الذين يرعون الاغنام والانعام ويتنقلون حول المراعى معتمدين على ما تهبه السماء لهم من مطر ولعلهم من اجل ذلك سموه  غيثا واذا احتبس هذا الغيث جفت   الحياة وهلكت القطعان والرعاء ولذلك كثرت رحلة البدو فى الصحراء يطالبون مساقط الغيث وينتجعون الكلا والماء.
واذا ضاقت بهم صحراؤهم رحلوا الى المناطق المتحضرة حولهم يغزون او ينهبون واحيانا نراهم يقيمون جنبا الى جنب مع اصحاب هذه المناطق ويحاولون ان يتعلموا الزراعة منهم كما حدث لقبائل ربيعة فى العراق قبل الاسلام وكما حدث لقبائل ربيعة فى العراق قبل الاسلام وكان ذلك سببا مهما فى اقتباسها بعض العادات والافكار من سكان احواض دجلة والفرات .
ولكن الكثرة الغالبة بقيت فى الصحراء تهاجر داخليا من كلا الي كلا ومن مرعى الي مرعى وتقتل فى سبيل ذلك مع جيرانها ومن تصادفهم فى طريقها وقد طبع ذلك الحياة الجاهلية فى نجد بطابع الغزو والاغارة فكثرت ايام العرب وكثرت حروبهم .
ومعنى ذلك ان حياة البدو لم تعرف الاستقرار فقد كانت من جهة حربا مستمرة وكانت من جهة ثانية رحيلا مستمراوهذا الرحيل المستمر الدائر لم يؤهل هؤلاء البدو لحضارة بل جعلهم فى شبة عزلة فاسوار الصحراء تفصل بينهم وبين من حولهم من الامم المتحضرة وليس عندهم من الفرصة او الوقت ما يجعلهم يستقرون ويعملون فى سبيل الحضارة الا ماسقط الى بعضهم سقوطا عن طريق احتكاكهم بسكان العراق وسكان الشام ويقسم الناسبون قبائل العرب قسمان كبيرين يشتقان من قحطان وعدنان ويسميان القبائل القحطاية والعدنانية وهو تقسيم يرد الى حقيقة تاريخية وخاصة بعد ان ضعفت الدوله الحميرية اى منذ القرنين الرابع والخامس للميلاد اما القبائل العدانية فهى القبائل التى كانت تسكن فى  الشمال دائما .
والمعروف انه كانت هنالك لغه جنوبية تعترض لغه الشمال وهى اللغه الحميرية وهى اقرب الى الحبشية منها الى العربية الشمالية وكان عرب الجنوب اكثر تحضرا من عرب الشمال وهم فى واقع الامر متحضرون  تبدوا غير ان من يرجع الى اخبار هذه القبائل حين ظهور الاسلام يلاحظ انهم طبعوا بطوابعهم عرب الشمال لا من حيث البداوة فقط بل من حيث اللغه ايضا فقد هجروا لغتهم الحميرية او اليمنية الى العربية الشمالية ولذلك قلما نلاحظ فروقا بين لغه شعرهم ولغه جيرانهم العدنانيين .
والذى يلفت النظر حقا هو ان القبائل نجد تكتلت فى هذين الفرعين الكبيرين وقامت بينهما منافسات كثيرة على اساس هذا التكتل وهو يعرف فى تاريخ العرب بالعصبيات القحطانية والعدنانية او اليمنية والمضرية وقد ظلت هذه العصبيات بعد الاسلام فى صورة لاتدع الباحث مجلا للشك فى انها تعبر عن نزعات قديمة توارثتها القبائل العربية .
وقد ورث العصر الاموى بسبب هذه الخصومة اياما كثيرة واشعارا كثيرة ايضا نظمتها كل قبيلة او قل نظمها كل حزب في الانتصار لنفسه ولعل الجزء الخامس من كتاب انساب الاشراف للبلاذري خير مرجع لهذه لاشعار الكثيرة التى نظمها الفريقان فى تلك الحروب .
اما القائل التى قرت واستمرت فى داخل الجزيرة فقد وجد عندها نشاط ادبى محدود اذا وجد بينها شعراء يشبهون ابائهم الجاهليين فى طباعهم وفى موضوعاتهم التى طرقوها على ان هنالك جانبا اسلاميا جديدا فى حياتهم لم يكن مالوفا لهم فى الجاهلية وكان له صداه فى شعرهم ونقصد الجانب السياسى وما نظمته الدولة بينها وبينهم من العلاقات وما فرض عليهم الاسلام من الصدقات فان ذلك دعا الى اقامة ولاة وسعاة عليهم يجمعون الصدقات منهم ويظهر ان بعضهم كان ينشط فى ذلك ويبلغ فكثر سخطهم على الولاة والسعاة وصور شعرهم ذلك تصويرا طريفا مما سنعرض له  في مكان اخر .
ومن غير شك كان النشاط الادبى فى نجد فى اثناء هذا العصر الاموى اقل مما كان عليه فى العصر الجاهلى لسبب بسيط وهو كثرة من هاجروا منها شرقا وغربا على ان طريقا من الغزل شاع فيها ولم يكن مالوفا من قبل وهو غزل عذرى عفيف وقد اشتهرت به بعض القبائل النجدية الاخرى فظهر فيها مثل قيس بنى ذريح وايضا ظهرت فيها اسماء اشبه ما تكون بالرمز مثل مجنون ليلى العامري وهو فيما نظن شخصية اسطورية .
على كل حال ظهر هذا الغزل العذرى وشاع فى نجد ووادى الحجاز في اثناء عصر بنى امية وهو غزل ينم عن نفس صافية صفاها الاسلام واحال الحب فيها الى براءة وطهارة فقد سما بالنفوس وكان لهذا السمو اثره فى هذا الغزل العذرى الذى يرتفع فى بعض جوانبه عن المادة والحس .
بيئة العراق
كان جريان دجلة والفرات فى العراق وما عرف به من خصب ارضه سببا فى قيام حضارات على رافديه كحضارة بابل وا شور وقد سكنه منذ اقدم الازمنة عناصر مختلفة منها السامى كالسومريين وكل من يرجع الى تاريخ العراق قبل الاسلام يلاحظ كثرة الغارات والهجرات وطبيعى ان تكثر الغارات علية لما يطوقه من صحار مجدبة وجبال قاحلة كجبال طوروس التى تقع فى شماليه ولذلك كثر وفود القبائل عليه غازية ناهبة .
ولما علا نجم الفرس ونشب الصرع بينهما وبين الروم كان كل منهما تمتد عينه الى ما بيد الاخر فالرومان يريدون ان يستواوا على الرافدين وما يكونانه من الهلال الخصيب والفرس يريدون ان يستولوا على مستعمرتى الروم الشام ومصر وراى  كل منهم ان يقيم دولة من  العرب تكون درعا امام جشع الاخر فكون الرومان دوله الانباط وتدمر.
وفى العهد الساسانى قبل الاسلام وبعد انقسام الدولة الرومانية الى غربية  وشرقية او الى روما وبيزنطة راينا كلا من الطرفين يحاول بكل ماسع من قوه ان يتالف جماعة من العرب يقيم منها دولة فكون الروم او كونت بيزنطة امارة الغساسنة فى الشام على حدود سوريا بينما كون الساسانيون امارة الحيرا فى العراق واعتبروا حاكمها العربى اميرا من امرائهم وكانوا يختارونه عادة من قبيلة لخم اليمنية .
ووصلت الحيرة الذروة فى القرن السادس الميلادى فان الدولة الحميرية ضعفت ضعفا شديدا فتحول عرب الجنوب كما تحول كثير من قبائل نجد الوسطى وشرقى الجزيرة الى الحيرة فكان لها عليهم شبه .
سيادة لعل ذلك جعل الفرس يستولون على ا ليمن حقبة من الدهر.
ونستطيع ان نلاحظ هذا التفوق الذى وصلت اليه الحيرة اذا عرفنا ان المنذر الثالث الذى كان يعاصر جوستيان صاحب بيزنطة اخطر الرومان حيث عقدوا الصلح بينهم وبين الفرس سنة 532هـ ان يدفعوا له قدرا له من المال مثله فى ذلك مثل ملك الفرس فحبسوه حتى توفى سنة 602  بهذه السنة انتهى حكم الاسرة الخمية للحيرة ولى الفرس عليها اياسا الطائى وغضت قبيلة بكر للخميين واتجهت جنوبا الى البحرين حيث ظلت تناوي الفرس الى ان جاءالاسلام . ومن غير شك سقطت الى عرب الحيرة فى العصر الجاهلى عناصر حضارية كثيرة بعضها عن طريق اصدقائهم الفرس وبعضها عن طريق اعدائهم من البزنطيين فكان منهم من يعرف اللغة الفارسية مثل عدى بن زيد شاعرا خطيبا وقارئا كتاب العرب والفرس وعدى وابوه زيد انما هما رمزان لهذه الصلة الحضارية بين اهل الحيرة وجيراهم الفارسيين .
وكان اشتراك اللخمين فى الحروب مع بيزنطة سببا فى ان تقتبس الحيرة كثيرا من الافكار والعناصر الرومانية الاغريقية اذا كان ينزل بها بعض الاسرى من البيزنطيين كما يدل على ذلك المصادر اليونانية واللاتينية ويذكر لامس انه كان بها بيزنطى يدعى ابن يتوفيل الطبيب ويروى ان النعمان الاول استخدم فى بناء حصونه بعض البنائين من الاغريق.
ومعنى كل  ذلك ان عرب العراق خضعوا قبل الاسلام لتأثيرات فارسية واخرى رمانية اغريقية فلما جاء الاسلام وخرجت قبائل كثيرة من نجد الي العراق خضعوا لنفس التأثيرات, بل ان التأثيرات كانت اعنف واحدة, فقد انتقل الفرس بحضارتهم الي الاسلام كما انتقل كثير من نصارى العراق الي الاسلام ايضاً وحلت البصرة والكوفة محل الحيرة واحتفظتا بكل التراث الثقافي الفارسي والروماني الاغريقي الذي كان منبثاً هناك. ومن المحقق ان حركة عقلية كبيرة انبثقت في الكوفة والبصرة في اثناء عصر بني امية, وكن العرب هم الذين اشعلوا جذوتها, فقد اخذوا يقبلون علي دراسات القرأن الكريم وتعاليم الاسلام الحنيف, واخذت تتكون مدارس مختلفة تعنى بالتفسير والفقه ورواية الحديث النبوي, كما تكونت مدرسة كلامية تبحث في مسائل القدر, وكلنا نعرف المدرسة العقلية التي كان من اهم دعائمها الحسن البصري وتلميذه واصل بن عطاء مؤسس مذهب الاعتزال وهي المدرسة التي اسست بالبصرة والتي كانت تقول بحرية الادارة.
وكل ذلك اتاح للعرب نشاطاً عقلياً جماً,  يثيرون المسائل في الدين, ويجبون عليها جلَّة من الفقهاء, وهم يبحثون في الايمان وفي القضاء والقدر, ويجيبهم عليها المتكلمون الورعون, من امثال الحسن البصري, الذين وقفوا انفسهم علي وعظ المسلمين وارشادهم وتوضيح مايغمض عليهم مستندين الي اي الذكر الحكيم ونصوص الحديث الشريف.
علي انه ينبغي ان تضم الي اقليم العراق في هذا العصر الأموي اقليم فارس ماكان به من تأثيرات رومانية اغريقية عن طريق البيزنطين الذين كانوا ينزلون هناك اما مأسورين او فارين من الدولة البيزنطية حين اضطهدت من لا يقول بعقيدتها المسيحية في طبيعة المسيح. ومعروف ان كسرى انوشروان ((5031م ـ 579م)).
اسس في جند ياسبور معهداً للدراسات الفلسفية والطبية وقام علي هذا المعهد أساتذة من المسيحيين السريان يعاونهم بعض اليونان .
ونحن انما نضم هذه الاقليم الى العراق لانه كان مضموما فى هذ العصر الاموى فعلا الية اذا كان يتبعة فى السياسة فكان والى العراق هو الذى يديره وهو الذى يولى عليه من يشاء من موظفيه وكذلك فى اقليم خرسان وما فتح من الهند فالعراق كان يضم تحت جناحيه شرقى الدولة العربية كلها .
وذا كان العراق اهدى الى العرب كل ما احتفظ به من تراث ثقافى فارسى او رومانى اغريقى فانه اهدى اليهم ايضا منافسته القديمة لعرب الشام الذين كانوا يحاربون دائما في صفوف بيزنطة وبينما كان يحارب هو فى صفوف الدولة الساسانية فلما جاء الاسلام اسدل الستار موقتا على هذه المنافسة استحالت رمادا ولكن لم تكد تظهر اول فتنة فى الاسلام حتى تبين انه لايزال تحت الرماد وميض جمر واشتبكت الفئات فى سلسلة حروب واستطاعت الشام يمثلها معاوية ان تنتصر على العراق التى كان يمثلها على وصور شاعران فى الاقليمين المتنافسين تصويرا واضحا هذه النزعة فقال شاعر الشام :

ارى الشام تكره ملك العراق *   واهل العراق لهم كارهونا
وقالوا على امام لنا     *   فقلنا ر ضينا هند رضينا
وقال شاعر العراق :ـ
اتاكم علي باهل العراق  *  واهل الحجاز فما تصنعوا
فان يكرة القوم ملك العراق  *  فقد مار رضينا الذى تكرهونا
ومن هنا ظهر التنافس شديدا طوال عصر بنى امية بين اهل العراق من يتبعهم من فارس وبين اهل الشام فكان الاولون دائما فى اضطراب سياسى مستمر اذا كانوا معارضين للامويين اصحاب اهل الشام وكانوا دائما مع اول ناعق للثورة عليهم طاردوا وثاورا مع الحسين بن على او على الاقل حاولوا وثاروا مع المختار الثقفى و ثاروا مع يزيد بن المهلب فتاريخ العراق فى العصر الاموى ثورات متعاقبة لسبب طبيعى وهى انه كان يكن خصومة حقيقية للاموين وانصارهم من اهل الشام .
ومن هنا نستطيع ان نفهم كيف ان بيئة العراق اهلت الشعر العربى فى هذا العصر لان يخوض فى موضوعين كبيرين اما اولهما فهذه الخصومة السياسية التى اشتعلت بين الخوارج والشيعة وبين الاموين ثم اغصانهم وشعبهم المختلفة فالشعر الذى وجد فى العراق لعصر بنى امية اما شعر سياسى وهو الذى كان يقال فى الخصومة الاولى واما  شعر قبلي وهو الذى كان يقال فى الخصومة الثانية .
وتاثرت  موضوعات الشعر المختلفة فى العراق بهذين الموضوعين الكبيرين وظهر الالتحامهما خاصة فى مديح بنى امية على نحو ما نجد عند جرير والفرزدق والاخطل فقصيدة المديح عندهم تتاثر بالخصومات السياسية كما تاثرت بالخصومات القبلية .
على اننا اذ كنا لاحظنا على شعراء الحجاز تاثرهم بالحضارة المادية   وما اندمج فيها ن موسيقى وغناء فاننا نلاحظ على شعراء العراق ان التاثيرات الحضارية المعنوية فيهم كانت قوية فهذا التراث الفارسى والرومانى الاغريقى الذى كان هنالك قبل الاسلام وجد سبيله الى الشعراء .
وليس هذا كله مانلاحظ عل هذه البيئة فنحن نلاحظ عليها ايضا كثرة الشعر والشعراء بحيث تكاد تستقل باكثر ما جاءنا من الشعر عن عصر بنى امية واكبر الظن ان ذلك يرجع الى ان عرب العراق كان اكثرهم من العدنانيين اصحاب العربية الشمالية فقد اندفعت القبائل من قيس ومضر والعراق وهى القبائل التى تتميز بالشعر الكثير ويكفي ان يعود  الانسان الى تركت تميم فى هذا العصر من شعر ليرى ان العراق كان حقا البيئة الاولى للشعر والشعراء فى زمن بنى امية .
واخرى نلاحظها على هذه البيئة انه كان وجد فى العصر الجاهلى من عرف اللسان الفارسى من عرب العراق كعدى وابيه زيد فان الذين عرفوا هذا اللسان فى العصر الاموى كانوا اكثر عددا خاصة ان الفارسية كانت شائعة فى البصرة والكوفة وتذكر كتب الادب شاعرا بصريا وهو يزيد بن مفرغ الحميري كان يعرف الفارسية وكان ينظم فيها بعض شعره وفى الوقت نفسه نجد هولاء الموالى الكثيرين الذين كان يطفح بهم العراق يشاركون فى الشعر العربى فيظهر من بينهم بعض شعراء يحسنون صنع هذا الشعر ويحاولون ان يتفقوا فيه مثل زياد الاعجم مولى عبد قيس وكل هذا دليل فورة الشعر الشديدة فى العراق وكثرة ينابيعه التى شاركت فيه .

بيئة الشام
يشتهر هذا الاقليم بكثرة مياهه واعتدال مناخه والتفاف غاباته واشجاره من زيتون وغير زيتون وكان خصبه ووقوعه على حافة البحر المتوسط الشرقية سببا فى ان تقوم به وتتعاقب عليه حضارات مختلفة فقديما كان فيه الفينقيون والعبريون وقديما استعمرة المصريون واليونان واهله ذلك للاتصال بلامم القديمة وتمثل ما عندها من مدنيات .
وكان قبل الاسلام تابعا لبيزنطة وكان الفرس يفكرون دائما فى الاستيلاء عليه فرات بيزنطة كما رات روما من قبل ان تسعين بالعرب المجاورين له فكونت الامارة المعروفة باسم امارة الغساسنة من ال جفنة .
والتاريخ الحقيقى لال جفنة انما يبدا بالحارث بن جبلة فهو اول امير غسانى يثق المؤرخون بامارته اذ كان معاصرا لجوستنيان وقد جعله اميرا على كل القبائل العربية سنة 529م بعد حادثة مهمة فى انتصاره على المنذر امير الحيرة ولم يكشف جو ستنيان بذلك بل ومنحه لقب (فيلارك وبطريق ) .
وكانت حياه الحارث سلسلة حروب بينه وبين المنذر وقد قضى عليه عام 554م وزار بيزنطة عام 563 وتوفى 570م .
وعينت بيزنطة من بعده ابنه المنذر وفى عهده هاجم عرب الحيرة الحدود السورية عليهم فى وقعة (عين اباغ) وفى سنه 580م زار بيزنطة مع ولدين له فاستقبل استقبالا عظيما وهناك البسوه التاج واعترفوا به ملكا او امير على العرب غير انهم لم يلبثوا ان اتهموه وقبضوا عليه فثار عليهم اولاده بقيادة النعمان وقع هو الاخر فى قبضة ايديهم ومن حينئذ ضعف شان الغساسنه وكادوا يعدون منتهين ولذلك لاتسمع بهم فى الحروب البيزنطية الفارسية التى شبت عام 613م وبان كنا نجد مؤرخى العرب يذكرون لهم اميرا فى عصر الفتوح هو جبلة بن الايهم الذى اسلم ثم ارتد وهرب الى قيصر وظل عنده حتى مات .
واذا كان عرب العراق اللخميون عرفوا بمدينة اشتهرت هى الحيرة فان عرف الشام الغساسنة لم يعرفوا بمدينة معينة والمؤرخون والشعراء يذكرون لهم عدة مواضع كانوا ينزلون فيها اذا كانت امارتهم تمتد من شمال بادية الشام من بصرى الى فلسطين فكانت تشمل مقاطعات الجولان وحوران والبلغاء ويتردد على السنة الشعراء ذكر جلق وكانت منازل بالقرب من دمشق فى موضع على النهر بردى الذى يشتهر ببساتينه واشهر من جلق الجابية وكانت على مسافة يوم الى الجنوب الشرقى من دمشق .
ويظهر ان الغساسنة لم يحيلوا هاتين القريتين الى مدنية حقا فكانت خليطا من الخيام والمبانى البسيطة وان كان حمزة الاصفاني  يشيد دائما بما بناه الغساسنة الا ان نولدكة يتشك فى كل ما يزعمه من ذلك وربما كان للعلاقات السئة بين بيزنطة والغساسنة فى اواخر العصر الجاهلى اثر فى انهم لم يستقروا ائماما ان جعلوا انفسهم دائما على اهبة الفرار داخل الصحراء .
وعلى هذا كله ليس معناه انقطاع الصلة بين عرب الشام والعناصر الحضارية البيزنطية فقد دخل هولاء العرب فى المسيحية واكثروا من بنائهم للاديرة والذى لاشك فيه ان تاثرهم بالعناصر الرومانية الاغريقية كان اقوى من تاثر عرب العراق لانهم كانوا فى نفس المجال البيزنطى وقد اختاروا المذهب اليعقوبى فاذا كان النساطرة هم الذين اثروا فى عرب العراق فان اليعقوبين هم الذين اثروا فى عرب الشام ويذهب اوليرى الى ان اليعاقبة يتفوقون على النساطرة فى ترجمة الفلسفة الارسططاية وشرها والتعليق عليها ومعنى  ان تسرب اليهم من الفلسفة اليونانية لايقل ان يزد عما تسرب الى النساطرة .
ونحن نعرف ان الشام او اكثرها تحول الى الاسلام عربا وغير عرب وكانت الشام كلها مسيحية وقد وضعت الكنيسة لاهؤلاء على اصول اغريقية رومانية واذا كلنا لاحظنا عند النساطرة انشاء المدارسى اللاهوتية على سنن مقتبسة من الاكاديميات الفلسفية كمدرسة نصيبين فاننا نلاحظ ذلك فى الشام حيث اسست منذ القرن الثالث الميلادى مدرسة فى قيسارية واخرى فى انطاكية .
ولما فتح باب الجدال فى القرن الخامس الميلادى فى طبيعة المسيح  استعان المتجادلون بالفلسفة اليونانية ومنطقها حتى يدعموا ارائهم بالحجج والبراهين واذن فالشام قبل الاسلام كانت غرقة فى تاثيرات رومانية بيزنطية فلما فتحها العرب واستقروا فيها تحولت اليهم هذه الثروات العقلية يقول كريمر (وبهذا الطريق وحده يجب ان يفسر التشابه البين الذى نلاحظه  فى مظاهر المسيحية البيزنطية الاساسية والتعاليم الاسلامية وا البحث فى كنه الله وصفاته هو اول شى له المقام الاول فى كتابات كل من ابا الكنيسة الاغريقيةواقدم علماء الدين عند العرب فاقدم علماء المسلمين يشغلون انفسهم الى حد كبير بالابحاث التى تدور حول القضاء والقدر والارادة.
فبيئة الشام لم تكن بيئة شاعرة كما كانت بيئة العراق واكثر ما كان يقال فيها من شعر كان يفد لها من الخارج واتخذ ذلك صورتين الاولى ان يغد الشعراء بشعرهم على دمشق ينشدونه الخلفاء والثانية ان تحدث فى الشام حوداث تقتضي نظم الشعر هكذا الحوادث او اقل كهذه الحروب التي نشبت بين القبائل القيسية حين هاجرت هنالك وبين القبائل اليمنية فى الشام فقد اقترنت هذه الحروب بشعر كثير ولكن ينبغى ان نلاحظ ان اكثر  هذا الشعر كان وافدا على الشام مع هذه القبائل القيسية مثل عامر وسليم التى وفدت هناك من بوادى نجد والحجاز واستقر كثير منها فى قنسرين وفلسطين العليا وسرعان ما تطورت الظروف وجاءت موقعة مرج راهط واشتبكت الفئات فى حروب دامية واشتبك شعراؤهما في مفاخر ومثالب كثيرة .
ومع ذلك يمكن ان نعد هذا الشعر طارئا لانه اتى مع هذه القبائل القيسية والحق ان الشام لاتقارن لما كان فى العراق من نشاط ادبى ونشاط فى الشعر خاصة لهذا السبب الذى ذكرناه وهو ان اكثر اهلنا كانوا يمنيين او لم يكونوا يحسنون لسان العربية الشمالية كما احسنه اهلها فتاخروا عنهم فى نظم الشعر ولم يستطيعوا ان يجاروهم فبه .
على ان هنالك نشاطا فى الشعر حدث فى هذه البيئة ولكنه لم يحدث عن طريق هذه القبائل اليمنية انما حدث عن طريق الاسرة المضرية هنالك وهى الاسرة الحاكمة من بنى امية فان بعض امراء هذه الاسرة انصرفوا الى حياة الللهو والغناء التي سبق ان تحدثنا عنها فى الحجاز وكان فى كل شى من حولهم يؤهلهم لذلك فقد نعموا بحياة مترفة غاية الترف وعاشوا فى قصور  باذخة وا حاطوا انفسهم بكل ما يتسطيعون من مظاهر الفخامة ويخيل الى الانسان كان الجو كله اصبح عطرا او كان البيئة اصبحت كلها حلية وزنية .
وقد ذهب هؤلاء الامراء والخلفاء يستقدمون مغني الحجاز ومغنياته فاهلوا بذلك الشام لان تنتقل اليه هذه الحركة الغنائية التى سبق ان وصفتاها فى الحجاز وقد انتقل معها هذا الشعر الغنائى الذى كان ينظمه عمر بن ابى ربيعة والاحوص ومن اليهما من الشعراء فى مكة والمدينة وهنالك اسماء خلفاء ثلاثة يتردد ذكرهم فى هذا المجال وهم يزيد بن معاوية وابن اخته يزيد عبدالملك وابنه الوليد فان هؤلاء الخلفاء طلبوا الغناء الحجازي وفسحوا له فى مجالسهم وعقدوا للمغنين والمغنيات الحفلات المختلفة وكان من اثار ذلك ان اخذت الشام تقلد الحجاز وتنقل عنه هذا الغناء الجديد وماارتبط به من هذه النظرية االتى سبق ان اشرنا اليها وبلغت حينئذ بعض اسماء اشهرها ابوكامل العزيل مغنى الوليدين يزيد .
وليس هذا كل ما يلاحظ على هذه الحركة فقد انتقل ايضا هذا الفن الجديد من الغزل المطبوع بالطابع الغنائ التام ونحن لانصل الي الوليدبن يزيد حتى نجد ينفذ من اثناء ذلك كله الى ان يصبح مغنيا يحس الايقاع والضرب على الادوات الموسيقية بل تنقل عنه اصوات توثر فى بيئات المغنين وليس هذا فحسب فقد كان شاعرا غنائيا بالمعنى الكامل فشعره كله مقطوعات حب وخمر وشعر كله الف مع رجل الغناء .
ولعل هذا ما يدل على ان الشام لم تعرف الشعر فى هذا العصر الاموى الا طارئا اما على لسان هؤلاء الشعراء الوافدين الذين كانوا يمدحون الخلفاء فى دمشق واما تحت تأثيرظروف طارئة كهذه الظروف التى شبت نارها القيسية واليمنية منذ فتنة ابن الزبير او على لسان هذه الاسرة القرشية المضرية من بنى امية وهذا كله واضح الدلالة على ان بيئة الشام كانت مختلفة فى هذا العصر من حيث الشعر عن بيئة العراق وبيئة الحجاز ومع ذك هنالك بيئات اسلامية كانت اكثر تخلفا  .
شعر النقائض وأشهر شعرائه جرير والفرزدق والأخطل
لقد تنوعت فنون الادب ومن بين هذه الفنون فن النقائض وهذا الفن لون جديد من الوان الادب والمناظرة الادبية كما وان فن النقائض بعتبر سجلا تاريخيا افادت منه العلماء فى معرفة انساب العرب وايامهم ومثلبهم وكان لها فضل على اللغه امدتها بثروة من الالفاظ واكتسبت المعاجم مادة لغوية عليه سوف نتنال هذا الفن بشى من التفصيل .
اولا: تعريف فن النقائض :ـ
1/ لغة :ـ
النقائض جمع مفرده نقيضة والنقض افساد ما ابرمته من عقد او بناء ونقض البناء هدمه ونقض الحبل اذا احله ونقض العهد اذا تحلل منه والنقض ضد الابرام  والنقضية الاسم ويجع كما قلنا نقائض لذلك قالوا (نقائض جرير والفرزدق والمناقضة فى القول ان نتكلم بخلاف معناه .
2/ اصطلاحا :ـ
هو ان يتجة الشاعر الى اخر بقصيدة هاجية مفتخرا ملتزما البحر الذى اختاره الاول والقافية ذاتها وحركة الروى اذا فلابد من وحدة الموضوع ووحدة البحر والقافية والروي .
مثال :ـ
ما قاله الأخطل عندما مدح عبد الملك بن مروان هاجيا بنى كليب بن يربوع رهط جرير ومفضلا عليهم بنى دارم عشيرة الفرزدق خصم جرير .
ثانيا : نشاه فن النقائض :ـ
النقائض من فنون الشعر القديمة لانها عرفت منذ العصر الجاهلى فقد كان شعراء القبائل المتحاربة يتراشقون يالشعر كما يتراشقون بالسهام وكانوا يهجون ويناقضون بعضهم بعضا فينتصر الشاعر لقومه ويرد عليه شاعر القبيلة المعادية ثم جاء الاسلام فدارت النقائض بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين فدافع شعراء المدينة عن الاسلام والمسلمين ودافع شعراء مكة عن دينهم الوثنى وعلى الرغم من ان النقائض ايام الرسول  صلى الله عليه وسلم  تعد امتدادا للنقائض  فى الجاهلية الا ان تغيرا قد اصابها من حيث الغاية اذا اصبحت دفاعا عن عقيدة ومبادى دينية بعد كانت دفاعا عن اغراض القبيلة .
ونقائض الاسلام لم تشتمل على فحش وجرح للاعراض وانتهاك للحرمات كالتى نتلمسها بشكل واضح فى نقائض جرير والفرزدق والأخطل ثم ازدهر هذا الفن ازدهارا كبيرا واسعا فى العصر الاموى وتحول الى فن مستقل بذاته له اصول وعناصره واساليبه ومراميه وابعاده الاجتماعية والسياسية واحتل مكانة عزيزة وتبوا منزلة فى لوحة الشعر .
وكانت الحياة فى العصر الاموى صالحة لقيام مثل هذا الفن واستطاع ان يرجع الى ماكان عليه فى الجاهلية الاولى  لذلك عاشت النقائض فى ظله وسايرته الى النهاية وبلغت فى درجتها الفنية واثارها الادبية والاجتماعية منتهى ما بلغت فى تاريخ الشعر العربي جميعه .
 أسباب النقائض :ـ
لو رجعنا الى العصر الاموى وبحثنا عن سبب انتعاش وتفجر النقائض فى هذا العصر لو قفنا على اسباب خاصة واسباب عامة.
1/ الأسباب الخاصة :ـ
اهم الأسباب السبب الاقتصادي فنقائض جرير والأخطل متأثرة به اذا انها قامت على ما كان بين قيس وتغلب من المنافسة على ارض الجزيرة واستغلالها .
ومن الأسباب الخاصة أيضا ان الظروف جعلت جريرا يقف فى صفوف قيس ويصادف ان صح التعبير ان عشيرته اسرعت بالبيعة لابن الزبير ويصادف ان قتل مجاشعي الزبير بن العوام ويصادف ان لجات الثوار روح حين غاضبته الى الزبير فجعل الفرزدق يهجو جريرا .
2/ الأسباب العامة :ـ
أ/ السبب السياسي :
يرجع الى تشجيع الخلفاء اي حكام بنى امية لهذا الفن ولهذا الشعر بغية صرف الناس عن التفكير فى السياسة وقد كان لهذا الجانب مظاهر شتى وصور عديدة فضلا ما فعل بشر بن مروان  يجمع الشعراء على جرير ويعرهم به ما كان ذلك بشر تاييدا لسياسة ال مروان .
ب/ السبب العقلي :
نعود الى نمو العقل ومرانه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة فى النحل السياسية والعقيدية والفقه والتشريع فلقد تناظر الشعراء بحقائق القبائل ومفاخرها ومثالبها فدرس كل منهم موضوعه وبحث في ادلتة ليوثقها وفى ادلة خصبه لينقضها فاصبحت منارات شعرية تدور فى سوقى المر بد فى البصرة والكناسة فى الكوفة .
ج/ السبب الاجتماعي :
ومرده الى حاجة المجتمع العربي فى البصرة الى ضرب  من الملاهي يقضى به الناس اوقات فراغهم .
رابعا :العوامل التى ساعدت على ذيوع وانتشار فن النقائض :ـ
1/ التنافس بين الشعراء على القرب من الخلفاء والفوز بعطايهم .
2/ انتماء الشعراء الى الأحزاب السياسية المختلفة المتصارعة على الحكم .
3/ تشجيع خلفاء بنى امية للشعراء لشغل الناس عن السياسة وعن عيوب حكمهم .
4/ رغبه الناس فى معرفة اخبار المعركة الكلامية الهجائية عمل على مواصلة هذا النوع من الشعر وذيوعه وانتشاره السريع .

5/اهتمام النقاد وعلماء اللغة بشعر النقائض للموازنة والمفاضلة بين الشعراء .

6/ نمو العقل العربي ومرانه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة .
7/ حب العرب فى التفاخر بالأنساب بأمجادهم .
خامسا : اراء النقاد والأدباء فى شعر النقائض :ـ
1/هنالك رايان فريق عملت على عودة التعصب القبلي الذى قضى عليه الاسلام مما يولد الكره والبغض والتفاخر بين القبائل .
2/ يرى فريق اخر بجانب عيوبها فان لها محاسن كثيرة منها أنها أثرت اللغة العربية وإفادتها بالأساليب الجديدة والتراكيب المختلفة  كما أنها كانت بمثابة سجل لتاريخ القبائل قديما ولكثير من العادات والتقاليد العربية في البعصر الاموى .



سادسا:خصائص فن النقائض :
للفن النقائض خصوصا ما جرى بين جرير والفرزدق والاخطل خصائص عديدة منها :ـ
1/لاختلاط العصبية القبلية بالسياسية :
فكانت النقضية تخوض فى مديح الخلفاء والولاة فاصبحت لاتحتوى على فخر وهجاء فحسب بل تحتوى على مديح  وسياسة ويقدم الشاعر لكل ذلك يكاء الاطلال ووصف الرحلة والنسيب فاتسمت بالطول فلجرير قصيدة رائعة اكثر من خمسين بيتا بداها برثاء زوجيته ووصف المطر ومديح ام حرزة ويبدا البيت الرابع والعشرين فيها بهجاء الفرزدق( الكامل ).
لولا الحياة لعاذنى استعبار * ولزرت قبرك والحبيب يزاز
ولقد نظرت فى عشيرك نظرة * وسقى صداك مجلجل مدرار
ثم يهجوا الفرزدق فيقول :
فيرد علية الفرزدق بقصيدة طويلة يبدوها بمقدمة طللية ثم  بارتحال الظعائن ثم بالحكمة وفى البيت الثانى والعشرين يبدا بهجاء جرير فيقول(الطويل)
تحن بزوزاء المدينة ناقتى  * حنين عجول تبتغي البورائم
2/ التاثر بالاسلام :ـ
اذا عاش شعراء النقائض فى بيئة فدخلت المعانى الاسلامية فى صلب التقائض فخرا وهجاء وهذا ما يبدوا فى نقضية الفرزدق التى يهجو بها جرير ويفتخر بقومه فيقول (الكامل) .
ان الذى سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه اعز واطول
بيتاا بناه لنا المليك وما بنى * حكم السماء فانه لاينقل
 وهذا من قوله تعالى :(انتم اشد خلقا ام السماء بناها ورفع سمكها فسواها ).
وقوله ايضا (الكامل)
ضربت عليك العنكبوت بنسجها * وقضى عليك به الكتاب المنزل
 وهو ماخوذ من قوله تعالى :(مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ).
ومن قول جرير الذى كان اشد تاثرا بالاسلام يقول (الكامل ).
ان المواجن من بنات مجاشع * ماوى اللصوص وملعب العهار
ان البعيث وعبد ال مقاعس * لايقران بسورة الاحبار
وهو ماخو من قوله تعا لى:(يايها الذبن امنوا اوفوا بالعقود ...) وغير ذلك من الاشعار التى تبين تاثر شعراء التقائض بالاسلام .
3/ الإفحاش فى الهجاء :ـ
لقد هتك شعراء النقائض الاعراض واباحوا الحرمات بعبارات توثر التصريح لا التلميح وهذا الهجاء وصل الى درجة تشمئز منه النفوس من وجهت تاليهم وتنكرها الاخلاق والتعاليم الدينية وكان لبعض الابيات اثر فى نفوس من وجهت اليهم فقال  جرير :ماهجينا بشى قط اشد علينا من قول الاخطل:
مازال فينا رباط معلمه * وفى كليب رباط الذل والعار

فاجابه جرير )الكامل ):
حيوا المقام وحيوا ساكن الدار * ماكنت تعرف الا بعد انكار
كما ان الفرزدق يقول فى ام جرير : (الوافر)
فتح الله فقرة فى بطنها * منها خرجت وكنت فبها تحمل
اذا سلك شعراء النقائض هذا الطريق وهو الهجاء من اجل الرد على الخصم وتقوية حجته .
4/ اعتماد السخرية :ـ
عمد شعراء النقائض الى هذا الاسلوب ففيه اسفاف وتشنيع الخصم وفى نقائض جرير والفرزدق امثلة كثيرة على ذلك .
فقد سخر جرير من الفرزدق قائلا (الطويل)
وانك لو تعطى الفرزدق د هما    *    على دين نصرانية لتنصر.
5/ توليد المعانى والصور :ـ
اخذ شعراء النقائض يولدون المعانى والافكار وكان عندهم خيال خصب يبتكرون الصور ويبالغون فى المعانى ويخترعون الوقائع والاحداث غير ابهين بما يرتكب فى سبيل ذلك من الكذب والبهتان .
فشغل جرير يفكره القين والحدادة عند الفرزدق فولد منها المعانى فحينا يصفه بانه قين وابن قين كان يتعمق فى هذه الفكرة ويستخرج منها معانى متعددة فيقول )الكامل ).
الهى اباك عن كل المكارم والعلا * لى الكتائف وارتفاع المرجل
ويقول ايضا :
هو القين وابن القين لاقين مثله * لفطح المساحى ولجدل الاداهم
6/ استخدام اسلوب المقارنة والموازنة :ـ
واسلوب الموازنة والمقارنة من اهم سمات النقائض عند الامويين وخصوصا عند الفرزدق وجرير والاخطل 
قال الفرزدق :
ان الذى سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمة اعز واطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى * حكم السماء فانه لاينقل
اجابة لقوله :
ان الذى سمك السماء بنا لنا * عزا علاك فماله من منقل
قال الاخطل :
اخسا اليك كليب ان مجاشقا * وابا الفوارس نهشلا اخوان
قوم اذا اخطرت عليك قرومهم * جعلوك بين كلاكل وجران
اجابه جرير :
ياذا العباية ان بشرا قد قضى * ان تجوز حكومة النشوان
فدعوا الحكومة لستم من اهلها*  ان الحكومة فى بنى شيبان
7/ رصد سقطات الخصم :ـ
حاول شعراء النقائض رصد اخطاء وغفلات الخصم لكى ينهلون علبه بالهجاء والشعر المقذع .
وينظر هنا الى حادثة نبو السيف فى يد الفرزدق عندما امره الخليفة سليمان بن عبدالله بضرب عنق احد الاسرى وكان قد دس له سيف لا يقطع فاستغل هذه الحادثة جرير وراح يسخر من الفرزدق فيقول ):الطويل)
بسيف ابى رغوان سيف مجاشع * ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظاليم
ضربت به عند الامام فارعشت * بذلك وقالوا محدث صارم
اشهر شعراء النقائض
الفرزدق :ـ
ابو فراس غمام بن غالب بن صعصعة الملقب بالفرزدق ولد بالبصرة نحو 641م /20 هـ من اب ذى وجاهة وكرم ينتمى الى مجاشع بنى دارم من تميم  وكان اجداده من اشرف بيوت تميم ومن ذوى الماثر الحميدة بين العرب فنشا الفرزدق فى ذلك البيت مزهوا بامجاده وكانت نشاته بدوية كم كانت اخلاقه بعيدة عن اخلاق اشراف العرب فاندفع وراء الفسق والفجور مزواجا مطلاقا لايثبت على حال ومن النساء اللاتي يذكرهن فى شعره النوار تزوجها مرغمة وكان له منها نحو عشرة بنين وبنات ثم طلقها مرغما لاستغاثتها عليه بجرير خصمه .
وفاته :ـ
وتوفى الفرزدق بالبصرة نحو سنه 732م/ 114هـ وقد نيف على التسعين .
اثاره :ـ
للفرزدق  ديوان طبع قسم منه فى باريس سنه 1870م وطبع الاخر فى مونيخ سنه 1900م تعددت طبعاته فى مصر ولبنان ونشرت نقائض جرير والفرزدق فى لبنان سنة 1905م ـ 1912م فى مجلدين كبيرين ومجلد ثالث تضمن الفهارس .
اغراض شعره :ـ
 اما غراض شعر الفرزدق فهى جميع اغراض الشعر الجاهلى من مدح ورثاء الى فخر وهجاء الى وصف وغزل .
جرير : ابوحزرة جرير بن عطية بنى حذيفة الملقب بالخطفي ابن كليب اليربوعى التميم ولد باليمامة نحو سنه 653 م 33هـ من اب وضيع خامل بخيل ونشا فى عشيرته نشاة البدوي الفقير الخشن العيش يرعى لابيه غنيمات من الضان والمعزى وكان فصيح اللسان من صغره مطبوعا على الشعر فقاله صبيا والظهر حده على خصومه من قبيلته ومن القبائل التى كانت تخاصم قبيلته حتى عظم امره . 
وفائه :ـ
اختلاف المؤرخون فى تحديد تاريخ وفاة جرير على انه فى الاغلب توفى سنه 733م /114هـ وذلك بعد وفاة الفرزدق بنحو اربعين يوما وبعد وفاة الاخطل بنحو ثلاث وعشرين سنه .
اثاره :ـ
لجرير ديوان طبعه محمد اسماعيل الصاوى سنه 1935 م بالقاهرة وقد اعتمد فيه على نسخة الامام محمد بن حبيب الذى رواها عن محمد بن زياد الاعرابى عن عمارة بن بلال بن جرير كما اعتمد على كتاب النقائض وما ورد فى كتب الادب.
اغراض شعره :ـ
اما اغراض شعر جرير فمرجعها الى المدح والرثاء والفخر والهجاء والغزل .

والأخطل :ـ
ايو مالك غياث بن غوث بن الصلت  الملقب بالأخطل وبذي الصليب لنصرانيته وحمله الصليب من قبيلة تغلب من ربيعة ولد فى الحيرة سنه 640 م/ 20هـ وحرم امه صغيرا فأساءت اليه زوج ابيه اذ كانت تسترعيه اعنزا لها وتجوعه الا انه نشا ممتلئا من مفاخر قومه وأخبارهم وأيامهم وداعب الشعر فهجا زوج ابيه كما هجا كعب بن جعيل شاعر تغلب واخمله .
وفاته :ـ
 وقد توفى الأخطل سنه 710م / 92 هـ وله من العمر نحو 70 سنه .
اثاره :ـ
وللاخطل ديوان كبير ضبطه ونظمة ابو سعيد الحسن المعروف بالسكرى وعنى بطبعه الاب انطوان صالحاني اليسوعي في بيروت سنه 1891م ثم سنه 1905م وقد طبعت القصيدة التى مطلعها .
خق القطين فراحوا منك او بكروا   وازعجتهم نوى فى صرفها غير فى ليدن مع ترجمة لاتينية سنه 1878م فى سنه 1922 نشر الاب انطون صالحانى اليسوعي نقائض جرير والأخطل .
إغراض شعره :ـ
واما اغراض شعر الأخطل فالمدح والهجاء والفخر والوصف والخمريات وله بضعة ابيات فى الرثاء لم يوفق فيها كما له غزل تقليدي يفتتح به القصائد عادة.

نماذج لهجاء جرير الفرزدق الأخطل

















شعر الغزل بانواعه فى العصر الاموي
لم تخل العصور السابقة من الغزل ولكنه فى عهد بنى اميه قدطما سيله لتوفر عوامل ونحن نعنى بالغزل هنا ما استقل لذاته ولم يات وسيلة الكلام على غيره من اغراض الشعر المعهودة التى رايناها فى الجاهلية واصبحت بعد ذلك العهد تقليدا يجري عليه الشعراء فى افتتاح القصائد المدحية ونحوها وهذا الغزل الجديد لا نجده الا نادرا فى الشام والعراق وذلك ان الشام أصبح مقر الخلافة الاموية كما كان العراق مقر السكينة والفراغ وكان فيها الغزل التقليدي على اسلوبه القديم انما نشا الغزل الجديد فى الحجاز وما يليه من البلاد العربية .
انواعة :ـ
كان الغزل في هذا العهد على نوعين الغزل البدوي والغزل الحضري .
1/ الغزل البدوى :ـ
اما البدوى فهو غزل العذرين الذبن يتغنون بالحب الافلاطونى العفيف واشتهر اصحابه جميل بن معمر صاحب بثينةوليلى الاخيليه صاحبة توبه بن حمير والمجنون العامرى صاحب ليلى وقيس بن ذريح صاحب لبنى .
2/ الغزل الحضري:
 فهو غزل اباحى يتغنى فيه الشاعر بالحب وملزاته الجدية منصرفا فبه الى الوصف القصصي الواقعي من غير ما خجل ولإحياء وأشهر أصحابه عمربن ابى ربيعة والاحوص وقد ألحقنا بهما الوليدبن يزيد .
عوامله :ـ
كان الحجاز قلب الامبراطوريه العربية اذ اتخذ محمد صلى الله عليه وسلم المدينة دارا لهجرته ثم اتخذها الخلفاء مقرا لعاصمة الدولة فكانت من الوجه السياسية محطا للانظار ومن الحجاز خرجت الجيوش العربية لفتح الإمصار فاندفقت على المدينة كنوز الأرض كما اندفقت عليها الموالى من فرس وروم وشاميين ومصريين وكان ذلك كله عاملا كبيرا فى إنشاء حضارة جديدة اختلط فيها العرب بالشعوب الأعجمية وغاص فيها عرب المدينة بالترف والثراء.
وما ان انتقلت الخلافة الى بنى اميه حتى تبدلت الحال بغيرها فانتقلت السياسه من الحجاز الى الشام وقام اهل الحجاز فى صفوف المعرضيين لبني امية فانصرف عنهم الامويون ولم يستخدموهم فى وظائف الدولة الكبرى الا فيما ندر ثم اهال الامويون على اهل المدينة الاموال الطائلة لصرفهم عن السياسة كما كبحوا جماح البدو ومنعوهم من الغزوات والغارات فكان ذلك كله بيئة فراغ .
اما فى البادية من نجد والحجاز فقد اجتمع الحرمان والكبح مع الفقر وكانت نتيجة ذلك نغمة زهد او ميل الى المثل العليا وكان هذا الميل قسمين دينيا وغزلا عفيفا .
واما فى الحاضرة فقد اجتمع الياس مع وفرة المال والثروة فكان ابناء المهاجرين والانصار فى مكة والمدينة مثرين والياس والثروة انتجا اللهو والاسراف فى اللهو فقد نشات طبقة من الشبان الفارغين كانت حياتهم الاجتماعية حياة مجون واثم ساعدهم على ذلك كثرة الرقيق وانتشر فى البلاد من ضروب الملاهى ولا سيما الغناء وما صحبه من موسيقى فشت فى المدينة فشوا واسعا جدا وقد نهض الموالى من المغنين والمغنيات بهذا الغناء نهضة شديدة واقترنت هذه النهضة الغنائية بنهضة كبيرة فى فن الشعر الذى يغنى يصحب بالضرب و العزف على الالات الموسيقية وهو شعر يدور فى اغلبه على الحب ووقائعه وكان فى اكثر جوانبه غزلا مكشوفا ينشر الفساد مع الغناء .
ميزاته مقرانة بميزات الغزل الجاهلى :ـ
1/ الاستقلال :ـ
كان هذا الغزل الذى يدور عليه كلامنا من النسيب فى العصر الجاهلى ونقصد ذلك النسيب الذى كان يوضع بين يدي القصائد والذى كان يتحدث عن الاطلال والدمن والذى كان لايتخذ غاية انما يتخذ وسيلة الى غرض الشاعر من قصيدته فقد كان بمثابة مقدمة موسيقية يسوقها الشاعر امام غايته اما فى هذا العصر فقد اصبح الغزل غاية  يصنعه الشاعر قصيدة مستقلة قائمة بنفسها وكان هذا الشعر فى اكثره مقطوعات وادوارا لانه كان يوضع للغناء والمغنون والمغنيات لايغنون فى ابيات كثيرة بل يوضع للغناء والمغنون والمغنبات لايغنون فى ابيات كثيرة بل فى البيتين اوفى الثلاثة ا وفى عشرات الابيات .
2/المعنوية :ـ
ثم ان الغزل فى هذا العهد وان لم يبرا من المادة ووصف الخارج المحسوس قد زاد على الجاهلى التوقف عند الحب وما يترك فى القلب من اثر وما يبعث فى النفس من عاطفة كالحزن والامل والرجاء وبذلك كان الغزل معنويا اكثر من النسبب القديم فالشاعر يعنى فيه بحكاية خواطره ( وهذا لا يعنى ان الغزل كان كله عفبفا ففرق بين ان يكون الغزل معنويا وان يكون عفيفا ) فان وصف الشاعر الخارج كان وصفه وسيلة الى وصف النفس وعواطفها وهذا اثر من الحضارة الجديدة وتفرغ الشاعر الى الغزل وقصره حياته الفنية عليه والانكفاء على ذاته لتحليل عواطفه وتفهم معانيها الا ان هذا التحليل لم يكن بالعميق الذى يقف على الدقائق ويسير جميع الاغوار بل بقى فى حاله وسط هذا القبيل .
3/ الموسيقى واللغة :ـ
وقد كان طبيعيا ان يحدث الغناء تجديدا وتغيرا فى موسيقى الشعر الذى كان وستضح ذلك لمن يقرن موسيقى هذا الشعر الغنائى الذى كان يغنى فى المدينة لهذا العصر الى موسيقى الشعر الجديد اكثرصفاء من موسيقى الشعر القديم ولغته اكثر قربا الى الناس من لغة الشعر القديم فهى تختار من اللغة المالوفة التى كان  يفهمها الشعب والقيان الاعجميات فكان ذلك من اهم الاسباب فما ان يصبح هذا الشعر الغنائي الجديد شعرا شعبيا .
وكان الشعراء فى هذا العصر يحرفون فى صورة الوزن القديم تحت تاثير الغناء تحريفا يضيق ويتسع فى تفعيلات الشعر ثم ان الشعراء اكثروا من الاقبال على الاوزان الخفيفة السهلة من مثل الوافر والخفيف والرمل والمتقارب والهزج وجزا وا الاوزان الطويله المعقدة والاوزان السهله البسيطة مجاراة  للا لحان في الغناء وقد تعددت تلك الالحان بعامل الحضارة الجديدة  وبسبب ما ادخله  المغنون من الانغام الاجنبية وما احدثوا من نظرية عربية جديدة للغناء .

4/ بعض ميزات خاصة بالغزل للبدوى :ـ
وكان الغزل الى جنب ذلك يمتاز بالبداوة التى تكسب لفظه رصانة في غير عنف ولاجفوة وتكسب معناه سذاجة فى غير   سخف وهو يمتاز ايضا بالصدق فى وصف  العاطفة وتمثيلها لانه صادرا عن قوم يشعرون ويالمون ويصفون الا مهم وشعورهم ثم اننا لانجد فى هذا الشعر خصيات متمايزة متباينة بين اصحابه فكلهم قد نسى نفسه او فنى فى موضوعه فناء محا شخصيته فاختلط امر هؤلاء الشعراء على الرواة واختلط من ثم شعرهم فاضيف الى الواحد ما هو للاخر هذا فضلا عن كثرة التواطؤ فى هذا الشعر على المعانى الواحدة والالفاظ الواحدة والاسلوب الواحد .
5/ اتساع موجة الشعر الغنائى :ـ
لقد اصبح الشعر الغنائى لهذه العصر شعرا شعبيا عاما تتردد مقطوعاته فى جوانب العالم العربى اذ لم يكن للعرب حينئذ صحف يقراونها سوى الشعر ثم ان هذا الشعر كان يغنى وقد عمل هذا الغناء على نشره بين الناس بوسيلتين الاولى غناؤه فى موسم الحج والثانيه انتقال الاصوات نفسها من المدينة ومكة الى الحواضر والبوادي المجاورة فى الحجاز ثم الحواضر البعيدة فى العراق والشام ولاسيما وقد سهلت الفاظه وقربت معانيه من الشعب .




نماذج للغزل فى العصر الاموي
























الشعر السياسي فى العصر الاموي

الشعر السياسى هو الشعر الموجه فى هدف واحد هو السياسة يصل اليه بطرق مختلفة تكون مدحا توهجاء او وصفا او ما الى ذلك يمدح المذاهب واصحابه ويهجو غيره من المذاهب المعارضة وذلك عن عقيدة سياسية فى الشاعر او غير عقيدة ويعرض فى هذا الشعر ان يكون حماسيا قويا لانه شعر العواطف المتناحرة فى سبيل الحياة والدين والحرية والسيادة وهذه الصبغة الحماسية تغلب فيه مهما اختلفت اغراضه ونزعاته .
وهذا الشعر قديم عند العرب كان فى الجاهلية محصورا فى القبيلة او فيه الامارة لقيام الحياة البدوية على العصبية القبلية وتاثرها بعصبية الامارة وقد نهض فى عهد محمد ثم مالبث ان خمدت جزوئة فى عهد الراشدين لتلاشى الروح الحزبية وما ان قتل عثمان حتى هبت الفتنة نتشرتر مع استيلاء الامويين على البلاد واخضاعهم الموالى لاحكام قاسية وقد تاثرت العصبية القومية والجنسية وتعددت الاحزاب وكان لكل  حجته من القران والسنه وعدته من الشعر والخطابة .
الاحزاب وشعراؤهم :ـ
1/ الخوارج : ذهبوا الى ان الخلافة حق مشترك بين المسلمين فحاربوا الارستقراطية الجنسية او القبلية او العائلية ودعوا الى المساواة الاسلامية التى يمثلها قوله تعالى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) ومن شعرائهم عمران بن حطان والطرماح بن حكيم وكان شعرهم شعر العقيدة التى تفنى فيها الشخصيات واسلوبهم خطابيا تقريبا احتياجيا ثوريا وامتاز شعرهم بالجدة لانه ابتعد عن تقليد الاقدمين واتجاه اسلوبهم فى تركيب القصيدة فكان موضوعة مذهبا حديثا تدعمه اراء وحجج اسلامية متخزة من القران والسنه وكانت غايته الجهاد فى سبيل الحكم الصالح وقد اجرى على اسلوب هو مزيج من الجزالة والسلاسة والرقة الا ان هذا الشعر لم يكن الا مقطوعات وقصائد قصيرة .
2/ الشيعة :سخط الشيعيون على المغتصبين وحزنزا لما لم بهم من احداث فكان شعرهم شعر السخط والحزن الذى يظهر فى الهجاء والمديح والرثاء والاحتجاج والتصوير والابتهال ويرمى الى الجهاد فى سبيل  الخلافة العلوية وذلك فى اسلوب يتقلب بين الهدوء والثورة والرقه والحزن بحسب ما تقتضيه حال الاحتجاج او الغضب الالم وشعر الشيعه دون الخوارج نصاعة وحرية وشعراوها دون شعراء الخوارج اخلاصا للحزب واحتقارا للدنيا والمال من شعراء الشيعة الكميث الاسدى وكثير عزة .
3/ الزبيريون : انكروا على بني امية جعلهم الخلافة وراثة فيما بينهم دون سائر قريش وشاعرهم عبدالله بن قيس الرقيات وكانوا من العاملين فى سبيل الارسطقراطية .
4/الموالى :استطال العرب على الموالى واعتبرهم دونهم دما ولغة وادبا وخلقا واعتزوا بعروبتهم التليدة بخلقها وبيانها والطريفة بالاسلام ودولته الغالبة فتولد فى نفس الموالى تيار عكسى فاخزوا على العرب خروجهم على اصول الاسلام الداعي الى المساواة وراحوا يفخرون بمجدهم وحضارتهم وينعون على العرب سؤ حالهم فهم يانفون من الدولة التى لم تف بودها في اقامة المساواة والعدل الاجتماعي ويشملون بنقمتهم شيئا فيشئا الدين واللغة والجنس والادب ويسعون فى ارجاع الدولة الفارسية ومن شعرائهم اسماعيل بن يسار ويزيدبن ضبة.
ونحن نلمح فى شعر الموالى حسن التنسيق والاستقصاء احيانا ورقة الاسلوب وقصر الوزن غالبا .
5/ الامويون : لقد راى الناس فى سائر الاحزاب اصلا دينيا فالخوارج اقاموا مذهبهم على اساس ديني من التقى والزهد والمساواة بين الناس والتحاشي عن الاثرة السياسية والشيعة اعتصموا بصاحب الدين لقرابتهم منه ووصياته لهم ان يكونوا ملوكه الزبيريون غضيوا فيما قالوا لله ورسوله من اثرة معاوية والموالى نقموا من بني امية مجافاتهم لروح الاسلام الديمغراطي واما الامويون فلم ير لهم الناس هذا الاصل الديني بل راوهم سياسيين طلاب دنيا وملك اعتمدوا علىى قوة السيف والمال والعقل فى تاييد عرشهم فكان الناس يمنحون اليهم طمعا فى مالهم او خوفا من باسهم .
والشعراء الذين يمثلون هذا الحزب الاموى كانوا نفعيين يمدحون الملوك طمعافى عطائهم او خوفا من عقابهم وليس فى شعرهم كثير جدة من الناحية الفنية فهو يدور حول المديح بالصفات العامة كالكرم والحلم وحسن السياسة والمجد القديم والحظ المواتي وما الى ذلك ومن شعرائهم ابو العباس الاعمى واعشى ربيعة والنابغه الشيبانى وعدى بن الرقاع .





نماذج للشعر السياسى فى العصر الاموي
ازدهار الخطابة الاموية :
لقد تشكلت الخطابة فى هذا العهد فشوا عظيما واحبها الناس فحفلت بها النوادى والمجالس وقصور الخلفاء والامراء واماكن القضاء حتى البيوت الخاصة ولاعجب في ذلك فقد توفرت دواعيها فى بيئة رات دينا جديدا يبث دعوته ويناضل خصومة وينطق الوعاظ على منابره لتغذية الشعور الدينى القوى ورات امه تتوحد تحت نظام اجتماعى يوحد العرب فى ظل رئاسة عليا ويحتاج الى توطيد وتثبيت وتفاهم بين الرعاة والرعية فى زمن  كان اكثر الاعتماد فيه على الالسنة لا على الاقلام ورات دوله تفتتح جيوشها البلاد فتخضع لها خرسان وبلاد الترك وسيجستاان والسند وافريقية والمغرب والاندلس وغيرها ويبعث قوادها فى صدور جنودها الحماسة والشجاعة كما يبعثون الفخر بالنصر والسرور ببشرى الظفر ورات احزاب تتجالد وعصابات تتنازع نزاع حول السلطة العليا ونزاع من اجل النفوذ وثوارث عقائد ومبادي ووفودا تتقاطر على الخلفاء والامراء والولاة وحفلات تقام فى دار الخليفة يظهر فيها الخطباء فصاحتهم ومفاخرات ومناقضات ومحاورات فى السياسه والاجتماع والاداب بين يمانية ومضرية وعرب وشعوبية وغيرها كل ذلك مع قرب عهد من فصاحة الجاهلية ومكة بيانية تمكن من الكلام مهيئا ومرتجلا .
بيئة  الخطابة فى العصر الاموي :ـ
اهم بيئة نمت فيها الخطابة فى هذا العصر هى الحجاز اولا ثم العراق خصوصا وفى العراق نبتت المذاهب السياسية واتسعت خطابة المحافل كما اتسع الوعظ الديني اما اقليم الشام فلم يظهر به شئ من الجدل السياسي او الديني وقلما كان في شان للوعظ الديني .
اغراضها وموضوعاتها :ـ
كانت اغراض الخطابة تختلف باختلاف دواعيها فمنها الدينية وفيها الدعوة الى الدين وحجاج المعادين ومنها الحزبية وفيها الجدل والدفاع عن الراى والمبداء ومنها السياسية والحربية
وفيها شرح الخطط السياسية والحض على النضال والوعيد والانذار الى غير ذلك من الغراض كالنصيحة والوصية وما توحي به الحوادث المفاجئة والمناسبة الكثيرة .
قيمتها الفنية :ـ
نزعت الخطابة فى هذا العهد نزعة دينية فى كثير من احوالها وظهرت فيها معانى القران التى كان يرغب الخطباء فى اقتباسها كما كانوا يرغبون ارسال الحكم وقد نفخت فيها العاطفة الدينية والحزبية بشدة فنبضت حياة واهتم الخطباء للتاثير والاقتناع اهتماما واسعا فاكثروا من اساليب التهديد والتوبيخ والوعيد والانذار  ولئن جارت الخطابة الطبع فى فجر الاسلام تطورت مع الايام واخذت تهتم لفنون الموسيقى الصوتية ولضروب التحبير والتحسين وظهور السجع بعد ان اعرض عنه النبى صلى الله عليه وسلم تحاشيا  عن اساليب المتهكنين وكان ظهوره خصوصا عن السنة خطباء الوفود حين يقفون بين يدى الخليفة ويحاولون بسجعهم ان يبقوا فى النفوس تاثيرا عميقا وقد كثر السجع شيئا فشيئا كما كثر التصوير وقاد حب التاثير الى صقل الالفاظ وتنميق التراكيب فحوت خطب ذلك العهد ولاسيما القسم الاموي منه فنونا من البلاغة و الفصاحة وروعة التعبير وضروبا من التقسيم والتشبيهات والاستعارات الا انها لم تخرج عن حدود الايجاز فى مجملها كما انها لم تخرج خروجا جوهريا عن الشدة والصلابة والمتانة الجاهلية .
اشهر خطباء العصر الاموى :ـ
اشتهر فى الخطابة السياسية زياد بن ابيه والحجاج بن يوسف فى الحزب الاموي والمختار الثقفى فى الحزب الشيعي وقطرى بن الفجاءة فى حزب الخوارج واشتهر فى الخطابة الحقلية الاحنف بن قيس زعيم تميم بالبصرة واشتهر فى الخطابة الدينية على بن ابى طالب كرم الله وجه وتميم الداري بالمدينة والحسن البصري وواصل بن عطاء والفضل بن عيسى فى العراق وغيلان والاوزاعي فى الشام .










نماذج للخطب فى العصر الاموي