السبت، 16 فبراير 2013

الأدب السوداني

الأدب السودانى
الهدف :-
تهدف دراسة هذا المقرر الى دراسة الادب السودانى
الوصف :-
تطوره : أعلامة اهم رجالاته قديماً وحديثاً
المدارس السعريه :- المحافظة و المجددة ، التاثيرات المحلية والخارجيه على الادب ، مسايرة الادب للبيئه سياسياً واجتماعياً وطبيعياً  . دراسة اعلام الشعراء فى كلا المدرستين
المراجع :-
 المرشد الى فهم اشعار العرب ـ المرحوم البروفيسر عبد الله الطيب ـ الشعر العربى المعاصر عزالدين اسماعيل ـ تاريخ الثقافه العربيه فى السودان ـ عبد المجيد عابيدين ـ التيارات الادبيه المعاصرة فى السودان ـ مصطفى هدارة ـ  التجديد فى الادب السودانى ـ النويهى ـ تاريخ الشعر السودانى : عز الدين الامين ـ مجموعه دواوين الشعراء السودانيين شعراء الوطنية فى السودان ـ صلاح الدين المليك
















مقدمة :-
الادب السودانى لم يكن متخالفا عن الشعر العربى فى البلاد العربيه الأخرى بل كان مواكباً فى جميع أطواره وهنالك مخطوطات تحوى شعراً من نظم شعراء عاشواء فى مملكة الفونج (1) التى تأسست فى أول القرن العاشر الهجرى وأول القرن السادس الميلادى حين تغلبت الفونج على دولة النوبه المسيحيه التى كانت عاصمتها سوبا 910 ه ـ1504م أصل الفونج عرب والدليل على ذلك انه لماأراد السلطان سليم العثمانى الزحف على سنار بعد أمتلاكه سواكن ومصوع على البحر الاحمر ودخوله الحبشه خاطب عمارة دنقس أول ملوك الفونج يدعوه الى الطاعه فاجابه عمارة بقوله ( ولا اعلم ما الذى يحملك على حربى وامتلاك بلادى  كان لأجل تاييد دين الاسلام فأنى أنا وأهل مملكلتى مسلمون ندين بدين رسول الله (ص) وإن كان الغرض مادى فأعلم إن أكثر أهل مملكتى عرب باديه وقدهاجروا الى هذه اللبلاد فى طلب الرزق ولاشى عندهم تجمع منه جزيه سنويه ))
ولقد عنى ملوك الفونج عنايه خاصه بالاسلام واللغة العربيه . هناك أختلاف حول الشعر السودانى فى هذا العهد أكد بعضهم انه كان بالفصحى وكان أمتداد للفصحى فى جميع مراحلها وبعضهم يقول بأن هذا الشعر بدا عاميا للتعبير عن حاجات النفس وارتباط بالغناء بالاضافة الى شعر مادحى النبى (ص) وكتاب ( طبقات ود ضيف الله) ملى بأتماط كثيرة من هذا الشعر يدور اساساً حول عنصرى المدح والرثاء وحول بعض التهويمات الصوفيه . واستمر الشعر السودانى ينمو ففى العصر التركى 1885م اكتسبت اللغة العربيه قوة وسلامة عن طريق التعليمين الدين والمدنى فافاد الشعر فى السودان من ذلك وكان اغراض الشعر تختصر فى المدح والرثاء ومن المدح ما كان نبوياً أو مدحاً لأهل السلطان استمر الشعر السودانى حتى اوائل عهد الاستعمار  الثانى مقلداً ضيئلاً لايكاد يسمع له صورة ولكنه كان شعراً حيا يمثل أمة حية ويتجة الى تقليد الادب الكلاسيكى او القديم ينشد فيه مثله الأعلى فى المعنى والمبنى                                                                                                         















                                                                                                    
تطور الادب السودانى
المراحل التى مر بها الادب السودانى
أولاً:- فترة الفونج
الأدب فى عهد الفونج
لم يصل الينا عن عهد الفونج من الشعر الفصحيح الانزر قليل , واقل منه ماسلم من ضروب الضعف المختلفة سواء اكان ضعفاً لغوياً أم نحوياً أم صرفياً أم عروضياً , بل لقد كان من ذلك الشعر ماهو مزيج من الفصحيح والعامى , كما أنه من جانبه الفنى لم يستطع ان يحقق مستوى يرتفع به عن جوانبه الأخرى.                                 
والحركة الادبية فى عهد الفونج قامت على ايدى الصفوة القليلة من العلماء وكانت تسعى الى النظم بالفصحى ولكنهم لم يتجاوزا دائرة التصوف الذى سيطر على الحياة فى ذلك الزمن أما اسلوب الشعر بصفة عامة مضطرب كثيراً ولم تكن الفصحى بمهة لديهم بقدر أهتمامهم بالانشاد والانحراف فى نشوة الترنيم مهما يكن من شى فان شعر الفونج نشأ  فى مجتمع بسيط تسيطره عليه الصوفية بل انه ولد وترعرع فى احضان الحركة الصوفيه فجاء معبراً عن ذلك المجتمع  وليس لاحد ان  يتوقع غير ذلك                                                                         
 شعراء الفونج :-
وقد برز فى هذه الفترة عدد كبير من الشعراء وهم الزين قادوا الحركة الادبيه فى اتلك الفترةوهم على ولد الشافعى والفقيه الصديق موسى بن يعقوب مكى الد قلاش ، ابراهيم بقادى واحمد بن الحاج الطيب ، فرح ود تكتوك، حجازى بن ابى زيد بن الشيخ عبد القادر ، مضوى مدنى بن عبد الدائم بن عيسى الانصارى الخزرجى ، ابراهيم عبد الدافع .                                                                                                      
أغراض الشعر فى عهد الفونج :-
أغراض الشعر فى عهد الفونج كانت تنحصرفى غرضين هما المدح والرثاء وكان الشعراء يمدحون ائمتهم فى الدين و يرثونهم كما كانوا يمدحون أهل السلطان ويرثونهم أيضا وربما بالغوا فى صفات المدح والرثاء لاسيما بالنسبه لرجال الدين فقد كان لهم بعامة مركز لايدانى عند الشعب وعند ملوك الدوله ووزراائهم وكان للمتصوفه منهم مركز خاص .
والمعانى التى كانوا يمدحون بها رجال الدين من حيث الناحيه العلمية أن الشيخ ليث العلوم متمكن عالم ومعلم تحرير واديب وهو محقق فى الأصول والقروع وعلومه منتشرة ذائعة وهو ملازم للتدريس من غير فتور او كسل الى غير ذلك اما مد حهم لهم من ناحية عامة الشيخ قطب عصره والاقطاب تزوره والعساكر والاكابر تطيعه وهو ورع تقى متواضع صبور عليه سكينة ووقار وهو حسن السريرة تقى متواضع طيب الاحوال وسيد السادات والامجاد وليث الليوث محبته تغلب كل خير .
امافى رثائهم لرجال الدين فيذكرون ان الشيخ كان قطب الصالحين له تصرف فى الكون وبه ختمت الولاية وكان الشيوخ يتزاحمون لينالوا دعاءه وكان بين الناس قمراً منيراً وهو سراج كان فى البلدان يوقد جاهه حمى لهم من
الخزى والعار واليه يشتكى الموجع والعليل وكان يحكم بالشريعه دون مبالاة يسهر اللياليى والدمع فى خديه راكعاً
وقد رجفت بموته الارض وتزلزلت جبالها وتزلزلت السماء و بكاءه العرش وبكته مكه والمدينه والعرب والعجم والسالكون و الطير والوحش والحوت ونعته الاشجار والربوع والارض التى حل فيها أضحت عزيزة وخلف من له فضل على الرجال .
خصائص الشعر فى عهد الفونج :-
يبدا الشاعر قصيدته بحمد الله ثم الصلاة على نبيه وكثيراً ما يختمها بذلك وربما بدأها بالحكمة أيضاً ، وقد يتخذ الحكمة فى غير البدء من أمثلة ذلك قول أحمد بن الحاج الطيب .
بدأت بحمد الله ثم صلاته ** على خير مبعوث واكرم من هدى
وقد ختم ابراهيم بن على بقادى رثاءه لابيه بقوله
ثم الصلاة على المختار سيدنا** محمد المصطفى من نسل عدنان
2/ التاثر بالقرآن الكريم كقول ابراهيم بن على بقادى أيضاً
أنسان عين وجود الوقت اوجده ** مجدد العصر فى علم واتقان
على المرتضى فى أمة وسط ** مخاطبين بكنتم خيرذى شأن
أنه كان ينظر الى قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا
شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )
3/ التاثر بالشعراء الاقدمين فمن ذلك تاثر موسى بن يعقوب فى تائيقه بتائية ابن القارض المسماة بنظم السلوك .
سفتنى حميا الحب راحة مقلتى * وكاس محيا من عن الحسن جلت
فاوهمت صحبى أن شرب شرابهم ** به سُر سرى فى انتشائى بنظرة
من ذلك قول ابراهيم عبد الدافع فى مرثيته لمحمد ود ضيف الله
وإنك اذا ماتاته لقضية ** تجده مبينا للصواب ومرشدا
وينبيك بالاخبار من عهد آدم ** الى زمن قد مات فيه والحسدا
ففى البت الاول تلمح قول الحطيئه
متى تاته تعشو الى ضؤناره**تجد خير نار عندها غير موقد
وفى البيت الثانى تلمح قول طرفة
ستبدى لك الايام ماكنت جاهلا ** وياتيك بالخبار من لم تزود
4/ تكرار اللفظ والمعنى فى القصيدة الواحدة يقول مكى الدقلاش
الله لى عدة فى كل نائبه ** اقول فى كل حال حسبى الله
يافار حاً بالمعاصى عند خلوته ** اما علمت بان الشاهد الله
5/ ومن خصائص الشعر فى ذلك العصر أيضاً التعبير فيه تقرير مباشر وإن اخيلته ضعيفة وان تصويره ضعيف ولكنه لا يخلو من الصور البيانيه لاسيما التشبيه غير انها صور تركيبية ليس لها شى من عمق او ظلال .
هذا واننا نكتفى بان نقول ان شعر الفونج لايقتضى منا الاطاله فيه او التفصيل فهو لايتعدى الاان يكون نواة للشعر السودانى الفصيح الذى استوى على سوقه فيما بعد واتيح له ان يتدرج فى مدارج الرقى الفنى كما امكنه ان يلقى اضواء متزايدة على حياة الشعب السودانى وأن يكون له فيها اثر .
نماذج للشعر فى عهد الفونج :-
الشاعر مكى الدقلاش :-
 تتلمذ على الشيخ دفع الله العركى من ابى حراز وبعد ان تصوف وتفقة عاد الى بلده حيث اخذ يدرس ويدخل الناس فى الطريقه ( طبقات ودضيف الله ) قال  فى الوعظة والارشاد :
اعلمى يانفسى أن الموت يفجعك **تومتى بفتة والقبر مسكنك
وتتزلين بديار لابقاع لها ** الاالتراب والدود ينهشك
محاسنك تبلى ويذهب جمالك ** تتمزق الاعضاء وتدرس عظامك
ورغبتك فى الفناى نقص وحسرة ** وعمرك محسوب ولم تدرى اجلك
وقال فى الحكمة :-
الله لى عدة فى كل نائية ** أقول فى كل حال حسبى الله
يافارحاً بالمعاصى عند خلوته ** أما علمت بان الشاهد الله
ان الذنوب الى قدمتها كتبت ** ان كنت ناسيها لم ينسها الله
الى متى أنت فى لهو وفى لعب ** ما مقالك فيما يعلم الله
فما مقالك والاسرار ظاهرة ** والنار باوزة والحاكم الله
تب يا إبن ادم فانت اليوم فى مهل ** واستغفر الله وإن الغافر الله
موضوع القصيدة الاولى :-الوزن :- ضعيف
الاخطاء النحويه :-
حذف مكى الدقلاش النون من الفعل المضارع دون أن يسقسه ناصب او جازم فى قوله
اعملى يانفس ان الموت يفجهك ** تموتى بغتة والقبر مسكنك
التشبيه :-
فى البيت الاول تشبيه القبر بالمسكن .
الاستعار :-
لا توجد استعاره
فصيحةموضوع القصيدة الثانيه :-
الحكمة
اللغة :-  
فصيحه
الاخطاء النحويه
خاليه من الاخطاء النحويه
الصرف :-
ان مكى الدقلاشى جاء بوزن ( فاعل من الفعل الثلاثى اللازم فقال يا فارخا بالمعاصى عند خلوته
الوزن:-
يوجد خلل فى البيت الاخير
تب يابن ادم فانت اليوم فى مهل ** واستغفر الله ان الغافر الله
التشيبه والاستعاره :-
لاتوجد تشبيهات ولااستعاره ولايوجد خيال ولاعمق وتتسم بالزهد .
شرح القصيدة الاولى :-
يريد الشاعر بهذه الابيات الوعظ والارشاد لكى يتدبر الناس فى امور الدنيا حتى لاتكون حياتهم كلها لهو ولعب لذلك يقول لتعلم النفس ان الموت مصيرها وانه سوف يكون القير مسكنها بدلاً من دار الدنيا وانها عندما تنزل فى هذا القبر ينهشها الدود وينتهى جمالها وتتمزق اعضاءها حتى عظامها تدرس على الرغم من ذلك فانها ترى الموت نقص وحسرة ولكن عمر هذه النفس محسوب ولكن الانسان لم يدرى هذا الاجل فلعل ذكره للموت انما اراد به وعظ ارشاد للناس  تعليق على القصيدة الاولى :-
الابيات سهلة الصياغه لم تخلو من الاخطاء النحوية وايضا خالية من الاستعارات وايضاً ضعيفة الوزن .
شرح القصيدة الثانيه :-
يقول الشاعر أنه يدخر فى كل مصيبه قول حسبى الله ويرد بذلك ان يقول للناس أذا اصابتهم مصيبه ان يقولوا حسبنا الله وثم راح يخاطب الفارح بارتكاب المعاصى بان الله يعلم به وبما يفعله وان الذنوب التى ارتكبها فبل زمن بعيد ونساها فأن الله كاتبها لم ينساها ثم يقول له الى متى سنظل فى لهو ولعب فى هذه الدنيا وماذا أنت فاعل فيما يعلم الله
من أمورك و ماذا ستفعل يوم القيامه عندما تعرض اعمالك ظاهرة والنار بارزة والحاكم فى ذلك اليوم الله فالاجدر بك ياابن ادم ان تتوب الى الله لانه الغفار الذى يغفر الذنوب.
 تعليق على القصيدة الثانيه :-
هذه الابيات سهلة الصياغه فيها تكرار ذو تاثير دينى صالحة للترنم والانشاد كما تقتضى طبيعة اذكار الصوفيه وحكمتها دينيه الوعظ والارشاد قال صاحب الطبقات (( أنها تزيل صدى القلوب وترهب النفوس ) ونجده ايضاً يكرر لفظ الجلالة (الله ) فى اخر كل بيت وبطريقة نغمية ايقاعية خاصة وهى تدلنا على ارتباط الشعر الصوفى باللحن والإنشاد كما هو واضح فى شعر المدائح النبوية ولعل هذه الظاهرة لا تزال عالقة بشعر المديح الشعبى حتى اليوم
علي ود الشافعي:
    قرأ كتب العربية علي عمر بن عبدالحفيظ وسلك الطريقة علي الشيخ دفع الله العركي وكان شاعراً ماهراً وله قصائد في مدح النبي   r وكان ممن جمع بين العلم والعمل (طبقات ود ضيف الله)
قال: مدح عمار بن عبدالحفيظ:
يا طالبين لكل فن تبتغوا
 
شدوا الرحال ونوخوا سنارا
  
قد حل بها إمام فاضل
 
زين النوافل عاليُّ المقدار
  
ورع تقي صابر متواضع
 
وجل عليه سكينة ووقار
  
وله العلوم تأهلت طوع المنى
 
من غير أشكال ولا إعسار
  
فقه وتفسير الحديث ومنطق
 
وبديع وعلم المعاني لدار
  
لغةٌ ونحوٌ والبيانُ وصرفهُ
 
علم الكلام به جلا لغبار
  
علم التصوف، طال فيه يا فتى
 
وفتابه للسادة الأبرار
  
تلك المناقب حازها وطوى لها
 
سمح الخصائل شيخننا عمار
  
وكان مجلسه المسمى أزهرٌ
 
علي المدارس في كلا الأمصار
  
موضوع القصيدة:-
        مدح علي ولد الشافعي شيخه عمار بن عبدالحفيظ
معاني المفردات:-
النوافل: جمع نافل وهي الزيادة  / الوجل: الخوف
المناقب: السير / خصائل: صفات ومحاسن.
اللغة:-
        سليمة وسهلة المعاني وواضحة.
النحو:-
        بها أخطاء نحوية.
وفي قول علي ولد الشافعي:
يا طالبين لكل فن تتفوا
 
شدوا الرحال ونوخوا سنارا
  
حيث حذف نون الفعل المضارع ولم يسبقه جازم وقد تكرر هذا في نفس القصيدة في قوله:
فكل فن تطلبوه ترونه
 
يبدي المزيد كزاخر الإبحار
  
كما جاء فيها خطأ آخر في البت الذي يقول فيه:
علم التصوف طال فيه يا فتى
 
وقتاً به للسادة الإبرار
  
حيث نصب (وقتاً) وحقها أن تكون مرفوعة علي الفاعلية.
الوزن:-
 القافية مضطربة غير مستقيمة كما في قوله:
يا طلبين لكل فن تبتغوا
 
شدوا الرحال ونوخوا سنارا
  
حيث بدأها بقافية قوية واضحة تأسر الأذن إلا نه لم يستطيع الإستمرار فيها فجاء البيت الثاني هكذا:
قد حل بها إمام فاضل
 
زين النوافل علي المقدارِ
  
براء مكسورة في القافية، ولكنه عجز عن الإستمرار فيها فجاء البيت الثالث براء مضمومة إذ قال:
ورع تقي صابر متواضع
 
وجل عليه سكينة ووقارُ
  
وعادة مرة ثانية إلي الكسر فقال:
وله العلوم تأهلت طوع المنى
 
من غير إشكالٍ ولا إعسارٍ
  
وإتبع هذا البيت أربعة أخرى قافيتها راء مكسورة ثم عاد مرة أخرى إلي الراء المضومة حيث قال:
تلك المناقب حازها وحوى لها
 
سمح الخصايل شيخنا عمارُ
  
الصرف:-
        بها أخطاء صرفية منها بقاء يا فعيلة في الجمع (الخصائل) في قوله:
 تلك المناقب حازها وحوي لها
 
سمح الخصايل شيخنا عمارُ
  
التشبيه والإستعارة:-
تشبيه في قوله:
........................................
 
يبدي كزاخر الإبحارِ
  
وتشبيه في البيت الأخير في قوله:
وكان مجلسه المسمى أزهرٌ
 
علي المدارس في كلا الأمصار
  
الإستعارة في البيت الرابع الذي يقول فيه:
وله العلوم تأهلت طوع المنى
 
من غير إشكال ولا إعسارِ
  
والبيت السابع أيضاً الذي يقول فيه:
لغةٌ ونحوٌ والبيانُ وصرفه
 
علم الكلام به جلا للغبارِ
  
تابع للأخطاء النحوية:-
        خطأ في الأفعال الخمسة في أكثر من بيت مثل: تبتغوا، تطلبوا والأصل تبتغون وتطلبونه حيث حذف النون من كليهما وأيضاً (طال) فعل غير متعدي لازم ولكنه نصب به المفعول والمفروض أطال كذلك في الشطر الثاني في البيت الأخير إستخدامه (كلا) حيث أنها سبقت جمع وهذا خطأ حيث تضاف إلي مثنى وليس جمع.
شرح الأبيات:-
        يقول الشاعر  مخاطباً الذين يطلبون الفنون المختلفة ويقصد بها العلوم المختلفة بأن يشدوا الرحال إلي سنار فإن بها إمام فاضل ومكانته عالية وهذا الإمام ورع وتقي وإنسان صابر ومتواضع وتلحظ عليه الهدوء والوقار وأن كل علوم الدنيا تسهلت له من غير تعب وفي أي فن تريدونه تجدونه يبدع فيه، ثم راح يعدو العلوم التي يتفوق فيها الشيخ عمار بن عبدالحفيظ وهي، الفقه، تفسير الحديث، وعلم المنطق، والبديع، وعلم المعاني وعلم اللغة والبيان والصرف والتصوف كل هذه العلوم بارع فيها ووصل فيها إلي مرتبة السادة الأبرار.
        بعد ذلك تحدث شاعرنا أيضاً شيخه وذلك يذكر صفات له أيضاً وهي أنه ذو صفات محاسن جميلة وأنه له مجلس علم يلتقي فيه بطلاب العلم وهذا المجلس يشبه الأزهر الشريف وله شهرة وطارت سمعته فأصبح معروف في كل المدن في ذلك الزمان.
موسى بن يعقوب:-
        تتلمذ علي أبيه الشيخ يعقوب وأشتهر بالصلاح (طبقات ودضيف الله): ويذكر نعمة ربه عليه).
سلام علي قوم إذا ذكر اسمهم

تهتك أستاري إليهم رجفه
  
تلالات الأنوار من نحو خالقي
 
بوقت قيامي أو جلوس بخلوة
  
نظرت إلي المحفوظ في كل ساعة
 
تناهيت عن إظهاركم الدهية
  
أمر علي الأفاق أنظر ما بدا
 
فأخبر عن ذكر النواحي الغريبة
  
وأرجلنا تسعى في الأرض جملة
 
وفي مرةٍ طيراً نطيرُ بسرعة
  
وقال عباد الله شرقاً ومغرباً
 
بإذني أسمع سمعاً بشهرة
  
وعيني حقاً ترى كل ما يرى
 
وأدعي في النواحي لفتية
  
نظرت إلي الجيل الذي كان نوره
 
طوح علي الأكوان كحلا مقلتي
  
فناجيت حقاً فوقه متضرعاً
 
فاضت له مني إليه إشارتي
  
أنا ابن يعقوب الذي شاع فكره
 
لكن أكن في المنام بقصة
  
فاسمي موسى بالكليم مسمياً
 
نور جلال الحق فوقي بمنه
  
موضوع القصيدة:
يذكر الشاعر نعمة ربه عليه.
معاني المفردات:-
ناجيت: من المناجاة وهو الكلام المهموس/ ففاضت: تدفقت  أكني: ألقب / بمنة: الإحسان والمعروف.
الوزن:-
كل الأبيات مختلفة في الوزن
التشبيه والإستعارة:-
لا يوجد تشبيه.
إستعارة في البيت الثامن الذي يقول فيه.
نظرتُ إلي الجبل الذي كان نوره
 
طوح علي الأكوان كحلا مقلتي
  
شرح الأبيات:
        بد الشاعر قصيدة يذكر القوم الذين إذا أذكر أسمائهم تهتكت الأستار إليهم برجفة والشاعر يريد بأولئك القوم الصالحين من أولياء الله ثم ينتقل بعد ذلك ويتحدث عن حالته عندما يكون في قيام الليل بأن الأنوار تتسقط عليه وذلك وقت التعبد والإختلاء بالنفس فهو يكون قريب من الله سبحانه وتعالى وفي تلك اللحظات أنه نظر إلي المحفوظ في علم الغيب حتى أنه إنتهى إلي إظهار المصائب ثم إنه يمر علي الآفاق ينظر ما ظهر فيها ثم يذكر الجوانب الغريبة فيها يقول أن أقدمهم تسعى وتدور في هذه الأرض كلها وفي بعض الأحيان تطير بسرعة.
        وقد تحدث عني عباد الله من الصالحين في الشرق والغرب وعرفوا شهرتي، وأن عيني ترى كل شئ حقاً أن يرى وأذكر تلك الجوانب التي رآها إلي فتية.
        ويذكر لنا شاعرنا بأنه نظر ذات مرة إلي جبل كان ينشر نوره علي جبل فكأنه يكمل الكون مثل كحل العين وكان فوق ذلك الجبل يتعبد ويذكر الله سبحانه وتعالي ففاضت إليه منه إشارة.
        ثم يأتي في البيتين الآخرين ويتحدث عن نفسه بأنه هو موسى بن يعقوب الذي شاعت تعليمه وأفكاره ويلقب عند الناس بموسى أبوقصة وقد سمى بموسى الكليم وأن نور الحق فوقه معروفاً وإحسان.
تعليق علي القصيدة:-
        تلاحظ في هذه القصيدة تأثر موسى بن يعقوب بتائي  ابن الفارض المسماة نظم السلوك التي يقول فيها.
سقتني حُميا الحب راحة مقلتي
 
وكأس محيا مَنْ عن الحسن جلت
  
فأوهمتُ صحبي أن شرب شرابهم
 
به سرِّى في إنتشائي بنظرة
  
ثانياً:
فترة العهد التركى :-
الأدب فى فترة العهد التركى :-
ارتفع مستوى الشعر السودانى فى العصر التركى فتحققت فيه لحد كبير سلامة اللغة وصحة التراكيب وارتقى عن عصر الفونج من حيث العبارة والفكرة واتسم مجمله باستقامة الموسيقى وان لم يخل بعضه من اضطراب فيها .
وقد كان الأثر الدينى واضحاً فى هذا الشعر وذلك لان الشعراء فى هذا العهد كان معظمهم من رجال الدين ومنهم من تعلم فى السودان كالشيخ الأمين الضرير والاستاذ محمد احمد هاشم ومنهم من تخرج فى مصر بعد دراسته الاولى فى السودان كالسيد / أحمد الازهرى ومنهم من كانت دراسته غالباً بمصر كالقاضى أحمد السلاوى .
تميز الادب فى فترة العهد التركى بما نلاحظه فيه من صنعة وتكلف ولا تكاد تخلو منه قصيدة مما لا يتعدى أن يكون مهارة عقلية ومن اكثر الشعراء صنعة الشيخ الامين الضرير .
وربما وجدنا لهم عذراً فى جنوحهم للصنعة وذلك عندما نذكر أن الصنعة كانت طابع الادب العربى كله وهنا نزكر أن الشعر السودانى فى العهد التركى فى سماته العامة قد ترسم الأثار  الاخرى للعهد التركى فبداً تركياً مملوكياً عثمانياً ثم اخذ النماذج الجاهلية والأموية والعباسية وكل ما تقدم به الزمن نحو القرن العشرين .
ولعل فى نشر نونية الشيخ الامين الضرير بالوقائع المصرية سنة 1286ه ومكافأة صاحبها من الخديوى اسماعيل وانتخابه رئيساً ومميزاً لعلماء السودان ولعل ذلك اعترافاً بمستواها بالنسبة لعصرها ذ لك بالإضافة الى انها تمجد الخديوى بصفة عامة وقد علق صاحب نفثات اليراع على نونية الشيخ الامين الضرير ( القصيدة كما ترى بليغة فى اسلوبها قوية فى تعابيرها تفضل بعضاً من الشعر المصرى فى ذلك الوقت ))
                مثلما حظيت قصيدة الشيخ الأمين بنشرها فى الوقائع المصرية حظيت كذلك قصيدة الأستاذ أحمد هاشم الخديوى بنشرها فيها وكان ذلك فى عام 1298 ه يقول البروفيسر عز الدين الأمين ( القصيدتين واحد هذه كتلك فى مستوى عصرى يسمح لها بالنشر كما مجدت تلك اسماعيل وتوفيقاً والاسرة الخديوية فإن هذه كانت تهنئة لتوفيق بعيد جلوسه)
تضيف الى ما قدمنا الى ان مستوى الشعر السودانى انذاك بالنسبة لمستوى عصره تبينه لنا قصيدة يحيى السلاوى فى الثورة العرابية فقد لقيت كما عرفنا تجاوب وتقدير واذا كان هذا هو المستوى الذى بلغه الشعر فى العهد التركى
فانه بقيام الثورة المهدية انتقل السودان الى حكم آخر والى عهد آخر فى الشعر .
ولا بد لنا ان نشير الى ان الشاعر السودانى ظل طوال العهد التركى حبيس الظروف الإجتماعية من الكبت والقهر والتسلط وقد ادى ذلك لانفصال ما يشعر به الشاعر عن الطريقة التى يؤدى بها التعبير عن مشاعره ولا بد أن اروع ما قيل دفن دخل الصدور او سار على السنة العامة بينما طفا على السطح ذلك المسخ المشوه من شعر الصنعة والرياء والتملق ومشتقاته المزركشة بالإستعارات المنمقة .
فقد كان العهد التركى عهد اذدهار بالنسبة للشعر حيث تخلص من الركاكة و الضعف الذى كان به فى عهد الفونج وبدأ يأخذ طريقه الى الامام بقوة .
أغراض الشعر فى العهد التركى :-
لقد كانت أغراض الشعر الأساسية تنحصر فى المدح والرثاء ومن المدح ما كان مدحاً نبوياً ومدحاً لأهل السلطان أو مدحاً لرجال الدين واما الرثاء فكان أساساً لرجال الدين .وفيما عدا هذين الفنين فقد تجد شعراً قليلاً فى الحماسة والأخوانيات وغيرهما ...
شعراء فترة العهد التركى:-
أن خير من يمثل هذه الفترة من الشعراء الشيخ عبد الدافع, الشيخ الامين الضرير , الاستاذ محمد احمد هاشم , السيد أحمد الازهرى , الشيخ  يحيى السلاوى وهناك شعراء عاشوا فى هذا العصر ويستحقوا أن يلحقوا بشعرائه لكن انتاجهم الذى وصل الينا يمثل عصر المهدية لا العصر التركى , وقد كانوا مخضرمين , ذلك الى ان شاعريتهم برزت بوضوح فى المهدية فاضفناهم اليها ونذكر من هؤلاء الشيخ الحسين ابراهيم بن الزهراء والشيخ محمد عمر البنا والشيخ محمد الطاهر المجذوب ومن هؤلاء من عاش فترة فى عهد الحكم الثنائى كالشاعرين الاخرين .
ولا بد من ان نذكر أن الشعر الذىوصل الينا عن هذا العصر قليل  , كما كان الحال بالنسبة    بالعصر الذى سبقه ،  ولذلك له سنبى على هذه النماذج القليلة التى وصلت الينا وسنمثل بها وشعرائها فى مواضع متعددة .
خصائص الشعر فى العهد التركى :-
1/ يتميز هذا العصر بما نلاحظه فيه من صنعة وتكلف , مما لا تكاد تخلو منه قصيدة , ومما لا يتعدى أن يكون مهارة عقلية . ومن أكثر الشعراء صنعة الشيخ الأمين الضرير ولذا سنعتمد على شعره كثيراً فى التمثيل على ذلك ومن مظاهر هذه الصنعة .
* البدء بشطر والختم به : وذلك مثل ما نجده فى قصيدة السيد / أحمد الأزهرى فى مدح أبيه , فقد بداها بالشطر
أدر ذكر إسماعيل بين المحافل
وختمها بنفس الشطر الذى استهلها به , مسبوقاً بالصلوات والتسليم على النبى وآله وأصحابه حيث قال :-
      صلاتى وتسليمى على أشرف الورى * محمد من لى اليوم أعظم كافل
      واصـحابه والال ما قال قاتل  **   ادر ذكر اسماعيل بين المحافل   
2/ ختم الرثاء بخاصة بالصلاة والتسليم على الرسول (ص) وقد لاحظنا أن معظم قصائد الرثاء نختم هكذا , وبعضها يقدم بين يدى ذلك خاصاً وعاماً فالشيخ ابراهيم عبد الدافع يختم مرثيته للشيخ أحمد الطيب بن البشير بقوله
وعساه يغفر زلتى وينيلنى * منه الرضا والختم بالإيمان
ثم الصلاة على النبى وآله* ما غرد القمرى فوق البان
3/ الختم ببيت يؤرخ القصيدة أو موضوعها او يبين عدد ابياتها : فهاهو الشيخ الامين الضرير يختم نونيته للخديوى اسماعيل ببيت يؤرخ به نظمها قائلاً
          لذاك حسن ختام القول ارخه * صون    المواطن   توفيق    وعرفان
                                 146    137   596   407   سنة 1286 ه   
4/تضمين القصيدة اسم الشاعر: ففى نونية الشيخ الامين الضرير نجده يقول :
خان الأخلاء حتى واصفهم * ما ( للامين) بهذا الدهر خلان
5/ تكرار الالفاظ والمعانى : وكانوا يكررون الالفاظ لا سيما فى اول الابيات ونجد ا لشيخ الامين الضرير فى النونية يتحدث عن تيسير حكومة الخديوى للكتب , فيكرر اللفظ (الم) على هذا النحو
ألم يكن جمعكم ادعى لصحتها * الم تيسر على التدريج أثمان
ألم يبح لكم فيها تناولكم * اذ ليس يمنع مما رام إنسان
6/ التلاعب بالالفاظ والوزن
وخير مثال لذلك قصيدة الشيخ الامين التى مدح بها النبى (ص) وضمنها اسماء سور القرأن الكريم أو رمز لها , ورتبها على حسب ترتيب المصحف , وقد جاء ذلك فى واحد من اربعين بيتاً , وانتقل بعدها الى التوسل بخاتم المرسلين وببعض الانبياء والرسل , ثم بالخلفاء الراشدين  والصحابة المقربين وآل البيت والازواج والعلماء والاولياء ومن دخل فى حزبهم . وجاء هذا التوسل فى سبعة عشر بيتاً , وكان توسلاً له ولاصحابه واهله ومن حضر انشاده متمثلاً , ثم ختم القصيدة ببيتين فى الصلاة والتسليم يقول فى اول القصيدة :
يا رب صل على من كان فاتحة بكر* الوجود به عمراننا اتصلا
ماللنساء مثل المصطفى ولد * اذ منه مائدة الانعام والعقلا
7/ الاثر العلمى :- 
فى الشعر من أمثلة قصيدة الشيخ الامين فى نظم اسماء سور القران فطريقة نظمها الى جانب ضعتها اللفظيه هى كذلك من فبيل التاثير العلمى فى الشعر ومن قبيل اقحام العلوم فيه ومن امثلة ذلك ايضاً قول السيد/ أحمد الازهرى فى مدحه لوالده
فبحرى طويل حيث صرعت وزنه ** بثانى ضروب من فعول مفاعل
8/ المبالغة بالمعانى المألوفه المكررة وامثلتها كثيرة فى هذا الشعر كقول القاضى أحمد السلاوى فى رثاء الفقيه أحمد بن عيسى
شمس العلوم غدت من بعد مطلعها ** تحت التراب فكيف العجم والعرب
9/ المحسنات البديعيه والوان البيان واذا عدنا لقصيدة الشيخ الامين النونية فنجدها ـ مع مالاحظناه فيها من قبل من صنعه ـ نجدها مليئه بصنعه المحسنات البديعيه من جناس وطباق وتوريه وتضمين فمن جناسه وطباقه قوله .
أشعارهم ذات اشعار بحالهم ** فهى الشعار حظوا بالوصل اوبانوا
فبين اشعار الشعار جناس كما يوجد طباق وبين الوصل بانوا .
10/ ايراد الحكمة والمثل : وكان من الشعراء من يعتمد على الحكمة القديمة او المثل وكان يلجا احياناًالى وضع حكمة تحمل تجربته غير أن الحكمه الموضوعة كانت حكمة بسيطة ولم تكن عميقة ومن اعتمادهم على الحكمة القديمة قول الشيخ الامين .
فالمرء مختبى تحت اللسان وما ** غيره الكلام له كشف وتبيان
ففى هذا القول أعتمد على الحكمة القائلة المرء مخبؤ تحت طئ لسانه لاتحت طيلسانه .
11/ استعمال المعانى غير المشخصه فى المدح والرثاء وهذه ايضاً من خصائص هذا الشعر فكانت معظم صفات المدح والرثاء قوالى عامه تصلح لكثيرين ونضرب لذلك مثلا بمرثيتين للشيخ ابراهيم عبد الدافع فحين رثى الشيخ أحمد الطيب والفقيه أحمد بن عيسى رثاهما بقصيدتين فيهما ابيات متشابهه فى معانيها وعباراتها ولم تكن صفات رثائه تحدد شخصية احدهما إنماهى صفات عامه تلقى لتنطبق على اي  منهما او اقل لتنطبق على اى أحد من سائر العلماء والمتصوفه ففى رثائه للشيخ أحمد الطيب ياتى قوله .
هو بحر علم بالغيوب مكاشف ** هو بدر تم ضاء فى البلدان
12/ الخطابيه والتقريريه : كان الاسلوب الخطابى والتقريرى المباشر هو الذى تنتهجه القصيدة بصفه عامه وكان من نتائج تقريره مع عدم إيمائيته أو مع ظلال يسيرة من الايحاء كان من
نتائج ذلك ان بعض الشعر لم يكن سوى نظم ولم يرقى الى الفن الشعرى من ذلك قول الشيخ الامين فى نونيته .
مع أننى ألف التاليف إذ صدرت ** عنى رسائل ميراث لها شان
وفى الزوايا خبايا ولو وجدت بها ** دهراً لكان لها والله وجدان
13/ بناء القصيدة وشأن هذا الشعر فى العصر التركى كان كشأن كثير من الشعر العربى من حيث فقدانه للوحدة العضويه فى القصيدة فنحن لانجد فى القصيدة من قصائد العصر التركى مايمكن أن يكون عاملاً لايجاد الوحدة بها فالى جانب موضوع القصيدة الذى هو تجربه الشاعر نجدفيها الصلاة والتسليم على النبى (ص) واله وصحبه او نجد فيها تاريخ نظمها او مايبين عدد ابياتها الى غيرذلك بعضه او كله كما ان الشاعر يبيح لنفسه فى القصيدة الواحدة ان ينتقل من موضوع الى موضوع ومثل هذا البناء لايمكن ان يخلق عملاً فنياً ترتبط بين إجزائه وحدة موضوعية او شعوريه او منطقيه فهو يفقد الوحدة العضويه من كل ناحية .
ومن اوضح مظاهر الوحدة العضويه هو عدم التلسلسل الفكرى فالشاعر يعالج فكرة يتركها ثم يعود اليها بعد فكرة أخرى وقد يعود اليها أكثر من مرة والحق ان استغلال البيت كان هو المقياس العام للشعر العربى فى ذلك العصر فى السودان وغيره .
وقد نلاحظ ان الالفاظ والعبارات فى قصيدة العهد التركى وضع بعضها الى جانب بعض دون احساس بوجود تجربة
شعرية خاصة كما نلاحظ أنها لم تلتزم البدء التقليدى بالنسيب
نموذج للشعر فى العهد التركى
ابراهيم عبد الدافع :-
اديب وشاعر سودانى صار قاضيا فى العهد التركى ( مخطوطه كاتب الشونه)
فال يرثى جماعه من العلماء
اليوم اصبح ركن الدين منهدما** بموت اخواننا فى الله من العلماء
واظلمت ارضنا حقاً وخدمت ** نار الكتاب وضاع العلم وانعدما
والدهر افجعنا فى الشيخ قد وتنا **امام محرابنا الحبر الرضى شيما
النيران معا غابا وقد أفلت ** زهر النجوم وصرنافى شديد عمى
كانوا على ظهرها فى الصف يقدمهم ** امامهم لينالوا الاجر مغتنما
والان فى بطنها صاروا كحا لتهم ** فى مسجد مثل الافلاك فوق سما
وزال وقت صلاة الخمس فى ملا ** مد الزمناف وصار الوصل منصرما
وانب ماكان موصلاً بمسجدنا ** من معهد الخوجلى القطب وانحسما
وانحل ماكان معقوداً بقبتنا** من بهجة الدين والدنيا وقد عدما
ديارنا بعد ماكانت معمرة ** منهم غدت مسكن الطاغين والظلما
كنا زماننا يجبنا الركب من بعد ** الى العلوم والقران والحكما
صرنا طعاما بلاملح يلذبه ** تعافه عين الراى ومن طعما
ثم الصلاة على المختار سيدنا ** نبينا من الى الارسال قد ختما
والال والصحب والاتباع ماطلعت ** شمس النهار ومابرق قد ابتسما
موضوع القصيدة :-
الشاعر يرثى جماعة من العلماء
      اللغة:-
فصيحة
       النحو:-
الظلما واصلها الظلمة لكن الشاعر حذف التاء المربوطة من أجل الوزن .
      الصرف :-
استعمل فعل رباعى من فجع وقد لايكون موجود فى العربيه
      الوزن :-
الوزن سليم ولكنه حذف التاء من الظلما
       التشبيه والاستعارة :-
وزال وقت صلاة الخمس فى ملا** مر الزمان وصار الوصل منصرما
           وفى قولة ايضاً  
وصرنا طعاما بلاملح يلذ به **................
وايضاً فى قوله
.......................** شمس النهار ومابرق قد ابتسما
     وايضاً فى قوله
واظلمت ارضنا حقاً وقد خمدت** نار الكتاب وضاع العلم وانعدما
المفردات:-
محرابنا : مكان التعبد / افلت : غابت / المغتنم : الغنيمه
منصرما متقطم / انبت/ انقطع
   شرح الابيات :-
     يرثى الشاعر فى هذه الابيات جماعه من العلماء قد رحلوا عن هذه الدنيا ويقول برحيل هؤلا العلما اصبح ركن الدين منهدما اى انهم احدثوا فجوة وحتى ان الارض أظلمت انطفأت نار الكتاب اى نار العلم حتى ان العلم انعدم برحيلهم ثم يقول ان الدهر افجعهم برحيل شيخ من هؤلاء العلماء الذى كان قدوتهم وامام مسجدهم وغاب معه ايضاً النيران وغابت زهر النجوم ويقصد بهم العلماء واصبحوا فى عمى شديد لانهم كانوا يهتدون بهم وهؤلاء العلماء كانوا على ظهر الارض ويقدمهم امامهم يقدم للناس ماتعلموه لايرجون من ذلك شيئاً الا الاجر غنيمة ولكن  الن هم فى باطن الارض مثلهم مثل النجوم فوق السماء وبرحيل هؤلاء العلماء انطفأت حلقات الدرس التى كانت بمسجدنا متمثله فى معهد الخوجلى وهذا الوصل انحسر وانتهى التجمع الذى كان فى قبتنا من بهجة الدين والدنيا واصبحت ديارنا بعد ماكانت عامرة بهذه النجوم من العلماء اصبحت مكاناً للطاغين والظلماء وفى حياة هؤلا العماء كانت تاتينا وقود العلم من اماكن بعيدة لتلقى علوم القران وغيرها ولكن الان صرنا برحيللهم مثل الطعام الذى يخلو من الملح ياباه الانسان ان تناوله .
ثم يختم مرثيته فى جماعة العلماء بالصلاة على سيدنا محمد (ص) وال بيته واصحابه الميامين .
الشيخ الأمين الضرير:
مدح الخديوي:
الود مآدبة والصدق إخوان
 
والصادقون لدى الآداب إخوان
  
أشعارهم ذات أشعار بمالهم
 
فهي الشعار حظوا بالوصل أو بانوا
  
بالمرء مختبي تحت اللسان وما
 
وغير الكلام له وتبيان
  
قلوبهم حاقرات حيث ما عملوا
 
وإنْ تناءت يبعد الدار أبدان
  
مدح الخديوي:
فيا أولي الجمع أهل العلم إنكمو

في نشر ما يرتضيه الله أخوان
  
و مصركم مصر والتوفيق حافظكم
 
والمفتي عارف والوقت أبان
  
أما حويتم بتوفيق العزيز حمى
 
أبعد توفيق رب العز خذلان
  
أليس عارفكم بيدي تعارفكم
 
كما يرى وله للنصح ديوان
  
ألم توزع عليكم كلكم كتب
 
في العلم ناقصة بالطبع تزدان
  
ألم يكن جمعكم أرعى بصحتها
 
ألم تيسر علي التدريج أثمان
  
ألم ينح لكم فيها تناولكم
 
إذا ليس يمنع مما رام إنسان
  
فحاصل القول إنَّ العلم قد سهلت
 
أسبابه إذ بدت للخير أعوان
  
فالله يحفظ الجمع متبعاً
 
توفيقه وله عز وسلطان
  
موضوع القصيدة:-
موضوع القصيدة المدح للشاعر يمدح الخديوي.
اللغة:
فصيحة
الأخطاء النحوية والصرفية:-
لاتوجد أخطاء نحوية ولا صرفية.
الوزن_
سليم

التشبيه والإستعارة:-
لا توجد إستعارة ولا تشبيه.
البديع:-
        قصيدة الأمين القرير مليئة بصفة المحسنات البديعية من جناس وطباق وتورية وتضمين فمن جناسه وطباقه قوله:
أشعارهم ذات أشعارهم كالهم
 
فهي الشعار خطوا بالوصل أو بانوا
  
فبين (أشعار وشعار والشعار) جناس كما يوجد طباق أيضاً بين الوصل وبانوا.
ويلاحظ أيضا بين (مصر ومصر) جناس.
        ثم أنْ الشاعر كان يضمن شعره شطراً من شعر الأقدمين مع شئ من التصرف فيها وذلك في قوله في الشطر الأخير من البيت الأول متضمن قول صالح الرندي في قصيدته التي يرثي بها الأندلس حيث يقول:-
هي الأمور كما شاهدتها دول
 
من سره زمنٌ ساءته أزمانٌ
  
والشطر الأخير من بيت الشيخ الأمين مضَّمن قول الرندي.
أحسن إلي الناس إن تستعبد قلوبهم
 
فطالما أستعبد الإنسان إحسان
  
إيراد الحكمة والمثل:-
        نجد الجكمة في شعر الشيخ القرير كما في قوله:
فالمرء مختبي تحت اللسان وما
 
غير الكلام له كشف وتبيانُ
  
ففي هذا القول أعتمد علي الحكمة القائلة: (المرء مخبو تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه)
واللجوء للحكمة الموضوعة عند الشيخ الأمين القرير ما تلقاه في مطلع قصيدته النونية.
شرح الأبيات:-
        أستهل الشاعر قصيدته التي مدح بها الخديوي بالحكمة حيث قال أن الصدق والود أخوان حتى أن الناس الصادقون في الآداب أخوان وأشعارهم التي يقولونها تدل علي حالهم وهي علامة تدل عليهم سواء كان من نصيبهم الوصل أو الإبان ثم جاء بالحكمة مرة ثانية هو أنْ الإنسان مخبوء تحت لسانه وليس طيلسانه ولا شئ غير الكلام له كشف وظهور  وهؤلاء الناس الصادقون قلوبهم حافرةً في أي مكان وجدوا فيه وحتى إنْ بعدوا بأجسادهم عن ديارهم.
        ثم راح يخاطب أهل العلم بأنهم وما يقوم به من نشر العلم هم فيه إخوان ويقصد بأهل العلم العلماء، ثم يدخل بعد ذلك في مدح الخديوي توفيق وبدأ بالحديث عن مصر بأنها بلادكم والخديوي توفيق حافظكم وبالخديوي تحصلتم علي الحمى ثم يدعو الله أن يبعد عنه الخذلان ولا أحد لا يعرف الخديوي فإنكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم وإنكم شهدت له بأنه للنصح له ديوان ثم يخاطب العلماء مرة ثانية إنه قد وزعت عليكم كتب مطبوعة طباعة جميلة تزينها وكلكم أجمع بصحتها فقد أسعارها رخيصة لكم وقد وفرها لكم ولم يمنع أحد من امتلاكها ثم ختم قصيدته وذلك بقوله بأن العلم في عهد توفيق تسهلت أسبابه لأنه ظهر الذين يقدمون له العون ثم دعى الله أن يحفظ العلماء والخديوي.
الشيخ يحيى السلاوي:-
في تأييد ثورة أحمد عرابي
        ابن الشيخ عبدالغني السلاوي العالم الفاضل الذي تولى القضاء أمام الحكم التركي في الخرطوم ولد 1846م (نفتات اليراع).
شغل العدا بتشتت الأحزاب
 
والله ناصرنا بسيف عرابي
  
القطر فيه من الرجال كفاءة
 
للحادثات فهم أولو الألباب
  
وحمية الإسلام تقتضي بالوفا
 
حتماً علي كل أمرئي أواب
  
ومحبة الوطن العزيز تحثهم
 
والفتح أذن بإتباع صواب
  
والمشركون خواسر في سعيهم
 
هزموا وقد نكصوا علي الأعقاب
  
هيا يا أهل مصر إلي الرضا
 
والفوز في العقبة بغير حساب
  
أنتم أولو الهمم التي بسهامها
 
كم من عدوٍ آب شر إياب
  
أنتم ولاة المجد أرباب النهى
 
والحر يظهر عند صدم مصاب
  
لا تشغلنكم الحياة فإنها
 
ذل لمن يرضى بهتك جناب
  
ولقد نرى إخواننا في حالة
 
تحتاج للأعوان والأصحاب
  
أعني عساكرنا الكرام ومن أتوا
 
متطوعين لهم من الأعراب
  
والعاملين لهذه الخيرات من
 
عمد البلاد وسائر الأحباب
  
موضوع القصيدة:-
تأييد ثورة أحمد عرابي.
اللغة:-
فصيحة.
النحو والصرف:-
لا توجد أخطاء نحوية ولا صرفية.
الوزن:-
سليم.
التشبيه والإستعارة:-
إستعارة في قوله:-
ومحبة الوطن العزيز تحثهم
 
والفتح أذن بإتباع صواب
  
وفي قوله:
أنتم أولو الهمم التي بسهامها
 
كم من عدوٍ آب شر إياب
  
وفي قوله:
لا تشغلنكم الحياة فإنها
 
ذل لمن يرضى بهتك جناب
  
ومجاز في قوله:
شغل العدا بتشتت الأحزاب
 
والله ناصرنا بسيف عرابي
  
معاني المفردات:-
حمية الإسلام: الغيرة علي الإسلام      / أواب: كثير الرجوع إلي الله.
آب" رجع       / النهى: العقل          / الهتك: التمزيق.
شرح الأبيات:-
        الشاعر في هذه القصيدة يدعو المواطنين في مصر والسودان على تأييد ثورة أحمد عرابي فهو يرى بأن العدو شغل الناس بتشتت الأحزاب التي تمثلهم وذلك بزرع بذور الفتن بينها حتى لا تقود الأمة نحو النصر ولكن الله سبحانه وتعالى سوف ينصرهم بثورة أحمد عرابي وهو يريد بذلك إلتفاف المواطنين حول ثورة أحمد عرابي وتأييدها لأنه علي يقين بأن بالبلاد رجال قادرون علي المصاعب والغيرة علي الإسلام تقتضي الوفاء لهذه الثورة وأيضاً كل إنسان كثير الرجوع إلي الله يكون وفياً لها ومحبة الوطن الغالي هي التي تحث الإنسان علي ذلك. وأن الفتح والنصر يتحقق بإتباع الثورة لأنها هي طريق الصواب. ويقول المشركون خواسر ويقصد بهم الأعداء سيسخرون ويهزموا ثم بعد ذلك يوجه خطابه إلي أهل مصر ويحثهم إلي الإنضمام لركب ثورة أحمد عرابي لأنهم سيحققون نصر كبير ولأنهم أصحاب همة وكم من عدو قاتلهم فرجع خاسراً ويقول لهم أيضا أنتم أصحاب مجد وعقول نيرة وأنهم يظهرون عند الصدام لأنهم أحرار فالإنسان الحر لا تشغله الدنيا وما فيها لذا يردهم أن لا  تشغلهم الحياة الدنيا حتى لا يعيشوا معيشة الذل لأن الحر لا يرضى أن يكون مستعمراً.
        ثم يتحدث عن المقاتلين في صفوف الثورة ويصف لنا حالتهم بأنهم حالة تحتاج إلي الدعم وتقديم العون والمساعدة ويقصد بالمقاتلين في ثورة أحمد عرابي الذين إنضموا إليهم متطوعين من بقية الدول العربية، ثم يختم قصيدته بالحديث عن كل الذين يعملون لهذه الثورة وكل الذين أيدوها من عمد في البلاد وكل محبين لها.
تعليق علي القصيدة:-
        فالشاعر هنا موفق في الشكل الشعري محافظ علي تقاليد الشعر المعروفة، ثائر علي النمط الأسلوبي السائد في عجزه ولكنه بصدر عن أحاسيس خارجية كالسياسة والتاريخ للممدوح، أما الشعور الداخلي الذي ينفعل به الشاعر ثم يصدر عنه فلا يوجد في هذه الفترة فالشعراء هنا ينظمون علي وعي منهم معتمدين علي ذاكرتهم ومذاهبهم البسيطة، كم نراهم يدورون حول الطبقة العليا من المجتمع فإذا كانت هذه الطبقة ممتدة الجذور إلي البيت النبوي أشبعوا عاطفتهم الدينية.
        ومهما يكن من شئ فقد أدخل الشيخ يحيى علي الشعر السوداني هذا الجانب لكفاحي الذي يناصر ثورة أحمد عرابي، والذي تطور بعد ذلك علي أيدي شعراء المهدية.  















ثالثاً : الشعر فى عهد المهدية :-
     لقد هزت الثورة المهديه وجدان الانسان السودانى واعادة صياغة البحث عن الاصول على اسس جديدة من الصدق والاصالة واتضح اخيراً ان مبدا الجزاله كان ضمن الاسلحه الكثيرة التى حارب بها المثقفون العهد التركى لاثبات  عروبة السودان فى الوقت الذى كان فيه حكم الاتراك ينكر  ذلك الانكار صريحاً وهكذا خرج الشعر اخيراً ( من خشوم البيوت)  التى نصرت على عروبة السودان واجارت اللغة العربيه ساعة الهجوم من جانب الثقافه التركيه عليها امافى مضمارالقصيدة التقليديه والتجربة العامة التى يعيشها الجماهيرانذاك وقد سلك مثل هذا الشعر طرائف شتى للاتصال بهذه الجماهير اذا اتخذ من الموقف مايهم تلك الجماعه واتخذ من لغة لشعر البيسطة والسليمة التركيب جسراً  سهل العبور .
لافراد الجمهور وخير مثال لهذا النموذج هو شعر الحسين بن الزهراء والذى لاحظه عنه ( عبده بدوى انه ( لو سلم له قسط كبيرمن قوة الاسلوب فهو على حظ لاباس به من الثقافه لكن شعره هذا اول استقلال فى الطابع العام للشعر السودانى ) ولعل ضعف الاسلوب الذى اشاراليه الناقد ناتج عن محاولة اتخاذ الشاعر موقفاً وسطاً فى اللغة من تعبير مفهوم ومستساغ لانه لم يتبق فى الشعراء الا نوعان شاعر اقتضى بشعر الصنعة التقليدى فابتعد عن اهتمام الناس واخر لايملك سوى شعره الصوفى الركيك وهذا اقعد به الزمن عن بلوغ مرتبة الشاعر وفى زمن سارت فيه القصيدة العربيه خطوات للامام ( والحسين بن الزهراء) استطاع ان يخرج فجاة من اسر العهد التركى ليسير فى مقدمة مسيرة الشعر السودانى .
    نحو مشارف التطور حتى فى شعره الذى يبدو تقليدنا (الشعر الحديث فى السودان عبده بدوى 1964م )
وبهذا التعبير الجزل تكون وسيلة الشاعر نحو اصوله العربيه اكثر صدقا وامانه فاسلوبه بسيط غير معقد ولغته سهلة وفى متناول الادراك . ومهما يكون من شئ فان المستوى الادبى لهذه الفتره من ناحيتى الشكل والمضمون او مانلاحظه عليه انه اكثر مما نظم فى العهد التركى بل انه اكثر مما نظم فى عهد الفونج وعلة هذه الكثرة  قيام الثورة المهدية فقد اطلقت هذه الثورةالشعر من عقاله فانطلق الشعراء ينظمون القصائد الطوال والقصار فى موضوعات مختلفة
اغراض الشعر فى عهد المهديه :-
مدح- رثاء – هجاء
     *المدح معظمه تابيد للدعوه المهدية وانصارالثورة  
*الهجاء فكان يمثل معارضة المهدية
*الرثاء فكان فى رثاء المهدى واعوانه وكان من الطبيعى الا يكون بكاء الا على من فقدتهم الثورة المهدية من قادتها وابطالها


شعراء عهد المهديه :-
يعد ابرز شعراء فترة عهد المهديه الشيخ الحسين بن ابراهيم بن الزهراء والشيخ محمد عمر البناوالشيخ محمد عمر الازهرى والشيخ محمد الطاهرالمجذوبوالشيخ محمد الشريف والشيخ عبد الغنى السلاوى .
خصائص الشعر فى عهد المهديه :-
1/ الصنعه والتكلف وهذه قد تمثلت معظم مظاهرها عند الشيخ الحسين بن الزهراء
2/ تكلف التعبير
وكان من الشعراء من يتكلف التعبيرورصف الالفاظ مما تؤدى احيانا للغموض والتعقيد  بل ويعوق الانطلاق الشعورى والانحدار التعبيرى اكثر من غيره من الوان التكلف ولكن هذا اللون كان قليلا لم يبلغ درجة الظاهرة وكان هذا يتضح عند الشيخ الحسين بن الزهراء ومن السمات العامه لقصائده مع تفاوت بينها فيه ومن امثلة ذلك عنده مانجده فى قصيدته
دعاك ومل النفس لولاك من ولا * به هو فى البيداء واه مولع
فعش هكذا اما هكذا غير ماترى * من الامر لاترفع بامر ترى امره
3/ البدء بشطر والختم به :ومرة اخرى نجد ذلك عند الشيخ الحسين مصحوبا بالصلاه والتسليم على رسول الله واله فى الختم فهو قد فعل ذلك فى همزيته التى يقول فى ختامها :
وعلى النبى واله صلى الذى * وصل الصلاة (فطالها ) العظماء
وكذلك سلم ذا العلا ما انشدت * برح الخفا ما الحق فيه خفاء
4/ نظم التاريخ :-
الشاعر عبد القادر فى قصيدته التى يصف فيها قبة المهدى ويرثيه يختم القصيده مؤرخا لبناء القبه فيقول .
وقف خاضعا وارجو بقول مؤرخا** * بقبة مهدى الانام ترى هدى
5/ تضمين القصيده اسم الشاعر :من ذلك      504   69  123  10601   =1307ه
 ما فعله الشيخ محمد عمر البنا فى قصيدته الثانبه حيث قال :
وقد قلتها وانا الفقير ( محمد ) * ارجو الاقاله ان بدت عثرات
6/ تكرار الالفاظ وهذه واضحة عند الشيخ الحسين كتكرار اوليت فى قوله
واوليت مااوليت عقد منظما * ولكنه بالمجد منه مرصع
7/ الأثر العلمى
ومن مظاهره قول الشيخ عبد الغنى السلاوى فى مدحه للمهدى
هلا رايتم موجبات الصدقات فيما*** يدعى او ليس فيه خفاء
 الحديث عن الموجبات وهو من كلام الفقهاء ومصطلحاتهم واثر العلم والتصوف ظاهر فى قول الشيخ الحسين فى مدحه المهدى
إن كان علم العقل غير موصل * الى شرح علم السر اذ لم يزل قشرا
8/ المبالغة والإحالة : هناك ابيات متفرقة تصل فيها المبالغة درجة الإحالة ,ذلك مع وجود المبالغة المستساغة فى هذا الشعر فمن ابيات المبالغة والإحالة قول الشيخ البنا
اوجعتها سيراً فصارت ضمراً * كلال شك ينجلى ويغيب
هذا البيت يصف بكرات العيس التى زجرها وحثها نحو الممدوحين ومع لطافة التعبير فيه وارتياح النفس له , فإن فيه إحالة من نوع احالة المتنبىء فى قوله
كفى بجسمى نحولاً اننى رجل * لو لا مخاطبتى اياك لم ترنى
9/ المحسنات البديعية والوان البيان
جاءت المحسنات بقلة فى اشعارهم بصفة عامة , وشعراؤهم أقل استعمالاً لها من شعراء التركية , ولكن كان شاعران يكثران منها , وهما الشيخ عمر الأزهرى والشيخ محمد عمر البنا فمن جناسهم قول الشيخ عمر الأزهرى
فإن أشار بطرف العين هم حملوا * او البنان فقد بانوا عن البان
هاجوا وماجوا كان قامت قيامتهم * يا برق مالك قد فرقت خلان
فهو قد جانس بين البنان وبانوا والبان) وكذلك بين هاجوا وماجوا .
10/ الإقتباس من القرآن الكريم مثل قول البنا
فأثرن نقع الموت فى عرصاتهم * واغرن صبحاً اذ علت اصوات
فهو مقتبس من قوله تعالى :(( المغيرات صبحاً فاثرن به نقعا ))
11/ ايراد الحكمة : الحكمة هنا اعمق منها فى العصر التركى , وكان هذا نتيجة لأثر التجارب المباشرة , غير ان أيراد الحكمة كان بخاصة من سمات شعر الينا لا سيما فى قصيدته الثانية ولجؤ الشاعر فيها للحكمة اكسبها شيئاً من التركيز والاقتصاد فى اللفظ , ولكنه قيدها اكثر بوحدة البيت بل بجزئيته ومن حكم الشاعر فى هذه القصيدة ما نقرؤه فى مطلعها هكذا
الحرب صبر واللقاء ثبات والموت فى شأن الإله حياة
الجبن عار والشجاعة هيبة * للمرء ما اقترنت بها العزمات
والصبر عند الباس مكرمة * ومقدم الرجال تهابه الوقعات
والاقتحام الى العدو مزية * لا يستطاع لنيلها غايات
العمر فى الدنيا له اجل متى * ينقضى فليس تزيد خشيات
نموذج للشعر فى عهد المهدية :-
الشاعر / محمد عمر البنا
عالم سودانى وشاعر , ولد برفاعة سنة 1264ه تلقى العلم بالازهر اتصل بالمهدى وصار من المقربين اليه , ومن الخليفة عبد الله ومن تولى مناصب فى القضاء الشرعى فى عهد الحكم الثنائى .
قد بلغ به الحماسة للمهدية أقصى درجاته نظم هذا الشاعر تاتيه المشهورة من اربعة وستين بيتاً . ومطلعها .
الحرب صبر و اللقاء ثبات* والموت فى شأن الأله حياة
وقصرها على الموضوعات الاتية :-
1/ مدح انصار  المهدى 2/ الحث على القتال والترغيب فى الجهاد 3/ وصف معارك المهدى
جاءت بداية القصيدة حثاً على الجهاد وترغيباً فى الشهادة وانه بحث مسبب قال :
الحرب صبر واللقاء ثبات* والموت فى شأن الاله حياة
قوم اذا حمى الوظيس رايتهم * شم الجبال وللضعيف حماة
ولباسهم سرد الحديد وباسهم * شهدت به يوم اللقاء الغارات
وخلوفهم صدأ الدروع لحزمهم * قتل الاعادى عندهم عادات
فى السلم تلقاهم ركوعاً سجداً* أثر السجود عليهم وسمات
وتخالهم يوم الجهاد ضراغماً * أسداً بواسل رماحهم غابات
ركبوا الجياد وغادروا واشلوا العدا* رزق النسور ولحمهم أقوات
والخيل ترقص بالكماة كانها * تختال فى ميدانها فتيات
فأثرن نقع الموت فى عرصاتها * واغرن صبحاً اذعلت أصوات
موضوع القصيده :-
دعوة الانصار الى مواصلة الجهاد ووصف معارك المهدى ومدحه
اللغه : فصيحه سليمه وتعابيره فصيحه
الصرف : خاليه من الاخطاء الصرفيه
النحو : خاليه من الاخطاء النحويه
الوزن : سليم لكنه اضطر بجمع قادة جمع مزكر سالم لكى  
المفردات :
خلوفهم :رائحة فمهم / بصارهم : العقل والقلب /لاتحفل :لاتكترث / اللبات : الصدور /هانت :سببوا لهم الاذى
الاقتباس من القران :- فى قوله :
الحرب صبرا واللقاء ثبات * والموت فى شان الاله حياة
اقتبس من قوله تعالى ( ولاتحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله اموات بل احياء عند ربهم يرزقون )
وفى قول :-
فى السلم تلقاهم ركعا سجدا * اثر السجود عليهم وسمات
اقتبس من قوله تعالى ( سماهم فى وجوهم من اثر السجود )
شرح الأبيات:-      
جاءت بداية القصيدة حثاً على الجهاد وترغيباً فى الشهادة ويأخذ الشاعر بعد ذلك فى مدح الأنصار و(( الجنود) فاشارد بقوتهم وصمودهم فى الميدان أثناء القتال واثنى على بأسهم الذى تشهد به الغارات يوم اللقاء ثم وصفهم بالحزم واعتياد قتل الاعادى وبالتعبد والإكثار فى الصلاة فى وقت السلم وعندما يدخلوا فى ساحة المعركة ماذا يفعلون وما الذى يحدث ونحن نعلم ان الجنود عصب المعركة ولا معركة بلا جنود انهم يملئون صهوات جيادهم وتتقدم بهم جيادهم ورماحهم مشرعة وينهالون على عدوهم فيردون جنوده قتلى وتنتشر جثثهم وتسيل دماؤهم غزيرة , لتكون فيما بعد طعاماً للطيور الكاسرة وتذهب الخيل وتجىء وترتفع السيوف وتنزل ملطخة بالدماء والغبار يعلو والرؤس تتناثر على الارض .
وهذا ما كان يفعله جنود المهدى فى المعارك كما حدثنا الشاعر وبهذا كما قرر الشاعر . اعلوا دين الإله وشرحوا صدر الرسول (ص) واخافوا العلج الكفار , وسقوا اعداءهم – أعداء الله كأس المنية ووصف محمد عمر البنا المعارك من حيث هى معارك خاضها  جنود شجعان مستبسلون كثيرون يحملون اسلحة كثيرة فتاكة ويحسنون استعمالها وهم فوق هذا اتقياء يؤمنون بالله وبالغرض الذى يقاتلون من اجله لذلك انتصروا وقتلوا أعداءهم تقتيلا .
ويلى هذا الثناء الذى أزجاه الشاعر لجهاد الانصار ولجهدهم فى اعلاء الدين وشرح صدر الرسول (ص) وحث على القتال ومنازلة الاعداء وقد بدأ هذه القصيدة بالحث على ا لجهاد والقتال واعقبه بمدح الانصار ثم وصف لمعركة من معاركهم بعده عاد الى المدح مرة اخرى ويبدو لنا ان الشاعر منفعل لانه له رغبة ملحة يتوق الى تحقيقها ولعل تلك الرغبة هى رغبة الشاعر فى انتصار المهدى واستيلائه على زمام الامور فى البلاد كى يعيد مجد الاسلام ولاتصدر هذه الرغبه الاعن شعور وطنى وحميه دينيه .
محمد بن الطاهر المجذوب:-
        هو أحد العلماء الأعلام وشاعر من شعراء المهدية وينتمي إلي أسرة المجاذيب المشهورة بالعلم والصلاح (شعراء السودان) يقول في قصيدته هندوب:
هندوب تعرف صبرنا
 
كيف إرتكبنا للمصاعب
  
وهشيم تشهد عزمنا
 
كيف إدرعنا للمصائب
  
يا طالما صدنا بها
 
صيد القضنفر للثعالب
  
جيشاً يرن سلاحه
 
كالرعد إذما المزن صائب
  
وسواكن تدري بنا
 
إنا لدى الهيجاء نضارب
  
حتى أتت أخبارنا
 
من مصر تكتبها الجوائب
  
وأغر ويك بفضلنا
 
الأعداء في كل المكاتب
  
وتحققوا لا نبا
 
لي بالمشقة والمتاعب
  
نحي لدين الله بل
 
وشأنه نلقى المعاطب
  
 موضوع القصيدة:-
        كان محمد بن الطاهر المجذوب في جيش الخليفة عبدالله المعسكر في (هندوب) فورد أمر إلي القائد عثمان دقنه بالإنسحاب من المدينة.
اللغة:-
الألفاظ والتراكيب فصيحة.
البيان:-
        في البيت الأول إستعارة، وكذلك في البيت الثاني والثالث.
شرح الأبيات:-
        القوية كقوله: (إرتكبنا للمصاعب) و (أدرعنا للمصائب) وقوله (الوقع الصواعق) و (يرن السلاح كالرعي) ويتجلى الإعتداد و الإعتزاز قوة في البيتين.
ما إنْ رحلنا عنهمو
 
جزعاً ولا خوف النوائب
  
بل طاعة لو لينا
 
فليدر ذا كل الأجانب
  
        في الشطر الثاني من البيت الثاني يبدو التحدي للأجانب الذين قد يتقولون ويفسرون هذا الإنسحاب تفسير لا يمت إلي دواعيه الحقيقية بصلة وهذا التحدي يومي بأن الشاعر يأنف من أن يوصف هو وقومه بالجبن وخور العزيمة وفي هذه الآنفة إعتداد، ونلاحظ كذلك الشاعر إستعمل ضمير جماعة المتكلمين في ثلاثة عشر بيتاً أكثر من عشرة مرات هذا الإستعمال بالإضافة إلي الإعتداد والتحدي والأنفة ينمي عن شعور وطني قوي، كما أنْ الحمية الدينية بادية في بيتين:
نحي لدين الله بل
 
في شأنه نلقيى المعاطب
  
متوسلين إليه بالمهدي
 
وجهة كل راغب
  








رابعاً : فترة الحكم الثنائى 1898م ـ 1900م
     وتنقسم فترة الحكم الثائى الى قسمين : القسم الاول يبدأ بعد الحرب العالميه الاولى ويؤرخ له عادة بظهور اوائل خريجى كلية غردون والشعر فى هذه الفترة يتبع النماذج التقليديه للقصيدة متاثر بشعراء التقليد فى مصر والعالم العربى او ما يسمون بشعراء الكلاسيكيه الجديدة او الكلاسيكيه المتطورة ) امثال شوقى والزهاوي والرصافى . كان موضوع الشعر الاساسى هو الانقلاب الذى طرأ على الحياة السودانيه حفل القرن التاسع عشر بكثير من المخترعات الحديثه التى ذللت الطبيعه وأرضختها لخدمة الانسان وجعلت امور الحياة هيئة أمامه وقد اخذ السودان بتصيب من هذه المخترعات وصلته الكهرباءوالة التصوير والطائرات وصاحب وصول هذه الحضارة الغربية ملحقاتها من التاثير الاجتماعى وقد وقف الشعراء موقف الرفض من الحضارة الغربيه وبرزت فى شعرهم
روح الاصلاح والرجعة الى الحضارة الاسلاميه العربية واهم شعراء هذه الفترة محمد سعيد العباسى وعبد الله البنا وعبدالله عبد الرحمن يقول العباسي فى ذم الغرب:-
اداروا رحى زبون سقتهمو** وقد ظمئوا نقيع سم الاساود
بضرب بنى يوم ذى قار وقعه ** ومن صرعوا عند اللقان وآمد
فياليت شعرى مالذى اهتلكوابه ** اصنع بنى انسان ام اصنع مرد
فمن قاذ فات بالهلاك مرشة ** ومن ها بطات بالردى كالصواعد
التقليد فى هذه الابيات واضح الصور كلها ما خوذة من الشعر القديم
فحيما يريد العباسى تصوير الحرب الحديثه المدمرة وهلاكها السمريع لايجد سوى الصور الماثورة فالحرب الزبون رحى تدور وهى تسقى سم الاساود النقيع وهو لها اشد من يوم ذى قار ومن حرب سيف الدولة عند اللقان وأمد والصياغه اللفظيه كلها تقليد واضح واقتباس معتمد للاساليب المأثورة من الشعر القديم وشاعر اخر من هذه المدرسه المحافظة يهاجم تعليم المرأة
قالوا هراء علموا الفتيات** وتسابقوا فى القول غير هدأة
والقسم الثانى من التجديد يؤرخ له بظهور الجيل الثانى من خريجى كلية غردون يقول الاستاذ محمد أحمد محجوب وهو من حملة لواء التجديد فى الادب السودانى فى كتابه ( نحو الغد) مرت على بلادنا  قرون من الجهل الحالك وكان أهلها فى شغل بضروريات الحياة ورد الغزوات والانهماك فى الحروب الاهليه عن التفرغ للدرس والتحصيل بل الانتاج الادبى . وعندما تفرغ الناس الى الدرس فى العهد التركى كانوا جاوين فى تحصيل علوم الدين ولم يلتفتوا الى الادب الاقليلاً وكل انتاجهم كان شعراً فى مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم او فى بعض الشؤون
الدينيه لتسهيلها على طلابها وعندما جاء المهدى انشغل الناس بشؤن الدوله والاستعداد للحرب والموت فى سبيل الله عند كل ماعداه الابعض قصائد تصاغ فى مدح المهدى وخليفته وبعض الافراد . ولما انقضى عهد الثورة المهدية وجاء الحكم الثنائى الانجليزى المصرى الذى أمتد من 1798م الى 1955م شرع الناس فى تلقى العلوم الحديثه على ايدى الاساتذة المصريين فى طرق التعبير والاداء فجاء شعرهم من شعر العرب القداما فى لغته ومادته وتصويره ولقد ضاقت بهم مواضيع الشعر فكانوا لايصوغونه الافى مدح اورثاء او فى ليالى المولد النبوى الشريف من كل عام اورأس  السنه الهجريه او ماشابهه من هذه المواضيع فكانت مادة الشعر مما لايدع مجال للافصاح عن الشعور
السودانى او خلق ادبى قومى . وتقدم الزمن حتى ظهرت فى الاونه الاخيرة جماعه من الشباب الذين تعلموا اللغه الانجليزيه الى جانب اللغة العربية وشعروا بظلم شديد للاستذادة فى جميع فنون الادب من شعر ونثر وقصص ودراما .
وجعلوا بقرأون كل ماتقع تحت ايديهم من اللغتين العربية والانجليزية وكأن للادب المصرى النصيب الاوفر من عنايتهم لانه الادب الاقرب إليهم . ان التجديد فى الأدب السودانى عامة والشعرا السودانى خاصة بدأ فى الربع الثانى من هذا كان القرن عندما أخذ عدد مترايد من المثقفين السودانيين يمل التقليد الذى كان عليه الأدب السودانى ويترجم به ويتطلع الى نوع جديد من الادب ( كما يقول المحجوب ) لايقتصر على تقليد المأثور بل يلتفت الى السودان المعاصر فيصوره فى جميع عناصره واوضاعه ولايقتصر على مايجد له شبيهاً فى الادب القديم . ورفض شعراء الجيل السابق لهم اصحاب المدرسه التقليديه أمثال محمد سعيد وعبد الله البنا وعبد الله عبد الرحمن وغيرهم .
الاتجاه التقليدى المحافظ
    بدأ هذا الاتجاه فى عصرى الاتراك والمهديه (1821م ـ 1898م) ولكنه لم يقف عند هذين العصرين بل مضى فى سبيل تطوره حتى عصرنا هذا . ماراً .بثلاث مراحل .
المرحلــــــة الاولى :-
مرحلة ماقبل عام 1898م وكان فيها السودان لايملك شيئاً من اسباب النهوض فالمجتمع قبلى بدوى والاقتصاد رعوى بدائى والتعليم خلوى دينى والشعراء فريقان .
فريق يعيش لصق الواقع وترتبط حياته الذهنيه بحياته العمليه فيعبر عن شعوره تعبيراً يتميز بالعفويه والصدق والواقعيه الضاربه جذورها فى تفاصيل الحياة اليوميه ولكن بلهجة محلية دارجة اى بلغة الشعب المحليه وهذا الفريق هو الذى يمثل السودان الحقيقى بشعره الشعبى الرائع .
وفريق اخر يعيش بعيداً عن الواقع متفرغاً من العمل اليدوى ليمارس العمل الذهنى كنشاط مستغل يتخذ فيه الادب حرفةً ويعبر عن شعوره بالفصحى لغة افراد الطبقة المتعلمة وهؤلاء هم فئه الذين تخرجوا فى الازهر ومعاهد الحجاز الدينيه فانفصلوا عن المصدر الجماعى القاعدي  وعاشوا فى بطون الكتب يستمدون ادبهم ممن سبقهم فخمسوا وشطروا وارخوا المواليد والوفيات وعارضوا القصائد واكثروا من المحسنات واساليب التلاعب اللفظى واقحموا فى شعرهم العلوم والمصطلحات الفقهية مترسمين فى ذلك كله خطى الشعر التركى المملوك حينا والرتكى العثمانى حيناً  اخر ترسما بليداً منعزلاً عن الاهالى وعن حياتهم اللهم الافى بعض قصائد تغنوا فيها بالبطولات الحربية ومجاراة للشعر البطولى العربى.  
ابرز شعراء هذه المرحلة :-
    حسين بن الزهراء (1833م ـ 1895 ) وعبد الله ابو المعالى ومحمد هاشم 1825م ـ 1910م وعمر الازهرى ومحمد البنا (1848م ـ 1919م وعبد الغنى السلاوى ( ولد سنه 1883م ومحمد الطاهر المجذوب ) 1842م والمضوى عبد الرحمن ( ولد سنه 1857م )  


المرحلة الثانية :-
 مرحلة مابعد سنة 1898م وتبدأ بدخول الانجليز إلي البلاد , وتمتد حتي سنة 1924م دخل الإنجليز السودان باسم مصر , ولكنهم إستبدوا به دونها ,وفرضوا حكمهم بالحديد والنار ,فعزلوا السودان عن جارته, وفرقوا بين أهله جنوباً وشمالاً ووجهوا ثقافته واقتصاده الوجهة التي تحقق مصالحهم ,وتثبيت حكمهم . ثم استغلوا تمسك السودانيين بالدين ,وتعدد الطرق الصوفية ,فضخموا من شأن المشائخ
واصتنعوهم ليخدعوا الشعب عن طريقهم,واوقعوا بينهم وتفرق شمل المجتمع بعد أن كاد يلتئم في عهد المهدية ......وبنلك تم للانجليز ما أرادوا , فبقيت الا وضاع علي ما كانت عليه في السابق, يحميها الأستعمارويحالفها . وتأخر نمو المجتمع فظل قبليا بدويا يسوده الضعف والتخاذل , وتخيم علي أهله    الجهالة .....ولكن حاجة الأنجليز الي اعداد شباب يصلحون للخدمة المدنية وتسيير الدولاب الحكومي حملتهم علي انشاء كلية غردون بالخرطوم, واستخدموا للتدريس فيها أساتذة قدموا من مصر ولبنان ,بلغ عددهم قرابة خمسين استاذاً وكان من بينهم الشاعران
 اللبنانيان فؤاد الخطيب وعبدالرحيم قيلات. فقام هؤلاء بنشاط علمي واجتماعي متاثر بتعاليم الامام محمد عبده في الاصلاح الديني ,والتراث العربي القديم في الميدان الادبي ووضعوا أسساً صالحة للتعليم فانتشرت الثقافة العربية بين طلاب الكلية وخرج منها شعراء تاثروا بهذه الثقافة فارتقى الشعر على ايديهم . بعد ان كان تركياً مملوكاً او عثمانياً خلال القرن التاسع عشر , أصبح فى الربع الاول من القرن العشرين يتطلع الى النماذج الجاهلية , والاموية والعباسية وشعر المولدين ,يترسم طريقة شعرائها فى التعبير , وبناء القصيدة وتناول الاغراض الشعرية . فوقف الشعراء على الاطلال , وحثوا الناقة واكثروا من الفخر واستهلوا قصائدهم بالغزل . وبالغوا فى خلع الاوصاف الكثيرة على الممدوح او المرىء , ولم يتخلصوا تماماً من التخميس والتشطير ومعارضة القصائد وكان شعرهم فى الغالب شعر مناسبات يتغلب فيه الشكل على المحتوى ويلهوا بالتقليد والمحاكاة عن التلفت الى المجتمع او الصدور عن تجربة فى الحياة .
ابرز الشعراء فى هذه المرحلة :-
محمد سعيدد العباسى ولد عام 1881م وعبد الله الرحمن 1892م وعبد الله البنا 1891م وأحمد محمد صالح والطيب السراج 1891م وبابكر بدرى 1864م ومحمد الأمين 1883م ومدثر البوشى 1903م وتوفيق أحمد 1904م محمود أنيس 1891م وحسيب على حسيب 1897م وصالح عبد القادر وعبد الرحمن شوقى 1896م ومعظمهم من رجال الدين .
المرحلة الثالثة :-
   مرحلة ما بعد سنة 1924م حتى يومنا هذا . ويرى بعض الباحثين ان هذه السنة اى سنة 1924م كانت نقطة تحول فى تاريخ السودان الأدبى والقومى والإجتماعى حين ثارعليهم ثم لم تسفر ثورته عن غير الفشل بسبب ضعف الشعب ومدى تسلط الإستعمار أقول بعد هذه الثورة ارتد المتعلمون على انفسهم وكان قد تزايد عددهم بفضل كلية غردون والمعهد العلمى والبعثات رحلت الى جامعة بيروت الأميريكية فأعاد هؤلاء النظر فى اوضاعهم وتساءلوا عن سر هزيمتهم المنكرة امام العدو . الم يكن ذلك كافياً فى تفوق الاجنبى عليهم لا فى قوته العسكرية الطاغية فقط , وإنما فى تفوقه العلمى والإقتصادى ازاء شعب تأخر
وعيه القومى والإجتماعى , وجمدت ثقافة على المحاكاة , والتقليد واذن فلكى ينجحوا فى مقاومة الإستعمار , عليهم

 أن يخلصوا الشعب من هذه الجهالة فيعلموه ويثقفوه قبل القيام بمحاولات متسرعة مبتورة , ويعملوا على تقوية وعيه القومى فينبهوا الى كينونته الذاتية حتى يدركها ويعتز بها , ويتحد بجميع عناصره وقبائله فى سبيل اعلاء شأنها وتعزيز حقوقها.
من هنا كانت انطلاقة الجيل الذى تمخضت عنه الثورة . فهؤلاء بعد ان رأوا حاجاتهم الملحة الى زيادة معلوماتهم , كانت اول خطوة خطوها اقبالهم على قراءة جل ما تخرجه المطابع المصرية من كتب ومجلات ( مجلة ابوللو, مجلة الرسالة ) وسهلت طرق المواصلات ووسائل نقل الأخبار والمعلومات إتصال السودان بغيره من البلدان .فاتصل السودانيون بالعالم العربى من خلال الصحف والمؤلفات ومن خلال الرحلات والاسفار , وقرأوا الادب المهجرى , وانفتحوا على الثقافات الاجنبية بواسطة اللغة الإنجليزية التى ذاعت فى ربوعهم ثم واصلت المطبعة التجارية , واسست مجلتا النهضة (1931م والفجر 1934م اللتان حملتا نصيب من الثقافة . وقام ( مؤتمر الخريجين العام )
الذى اسهم فى التعليم الاهلى اكبر اسهام , وكان له شعب مختلفة داخلية تعنى بشتى نواحى النشاط الإجتماعى والثقافى والصحى فانتشرت بذلك موجة من الوعى القومى ( السودان للسودانيين ) وقامت الدعوات الى الإصلاح الدينى والإجتماعى (نقد الخطب المنبرية فى المساجد) محاربة مشايخ الطرق توجيه الناس  الى الإهتمام بالدنيا وعمرانها كاهتمامهم  بالدار الاخرة اصلاح الاسرة وتحرير المرأة باعتبارها مساوية الرجل الكف عن العادات التى تتناول اعضاء جسم المرأة بالفصد والقطع والتشويه ومن ذلك الوشم والختان والتشليخ , الوقوف فى وجه سائر الخرافات الرجعية )) وكان ذلك كله إيذاناً بقيام نهضة ادبية سار بها الشعر فى اتجاهين متباعدين . كان كل منهما رد فعل للآخر :
أما فى الإتجاه الاول فقد ثار المجددون على القديم , ودعوا الى سودنة الآدب , وتطبيق المقاييس الغربية على النتاج بجعل التعبير عن التجربة الغرض الاول والاخير للشاعر , والاهتمام بالمعنى قبل المبنى , والتخلص من تزمت العبارة ورسميت القوالب والصيغ واعتبار القصيدة قطعة فنية كاملة تنبثق صورها من اصل واحد , وتخرج اوصافها من تجربة واحدة.
واما الإتجاه الثانى فقد سار على التقليد حتى بلغ مرحلته النهائية على يد الشيخ عبد الله البنا , الشيخ محمد سعيد العباسى , وأحمد محمد صالح , والشيخ عبد الله عبد الرحمن
نماذج للتيار التقليدى المحافظ
الشاعر عبد الله عبد الرحمن
النيل بمدنى
رف فيه النبات حتى كانى * من وراء الزجاج ارنو اليه
وكأن المياه صفحة خد * وكأن الظلام شام عليه
وكأن الدخان من جانب الشط مشيب يلوح فى عارضيه
يتلقى الاديب منه قوافى الشعر رقراقة على حافتيه
***
وظلال الجميز والطلح والسدر ترامى على المرووج الوسيعه

ووجوه البنات تحلو وتبدى * صوراً للحياة كانت بديعه
ليس ادعى الى السرور كروض * خلعت حسنها عليه الطبيعة
الشاعر عبد الله البنا
هيناء قد عقد الحياء لسانها * وغدا الدلال لها قريباً يحجب
ترنو فترسل للعقول صوارما* وتميس فى ثوب الدلال وتسحب
واللفظ مثل السحر يستلب النهى * كالخمر الا أنه لا يشرب
والشعر مثل الليل الا انه * تلقاء ليل الشعر ما إن يغرب
هى كالحياة لمندف او كالحياء* لمؤمل لكنها هى أعذب
هى كالسعادة لفظها متيسر * سهل ومعناها قصى أجنب
      الشاعر محمد سعيد العباسى
   قصيدة مليط فى ص32 من الديوان ومليط مركز من مراكز دارفور بالسودان تبعد عن الفاشر عاصمة المديريه بنحو سبعين ميلاً جهة الشمال ويشق مدينة مليط وادى عظيم يسمى وادى مليط وينحدر هذا الوادى من الغرب من مركز كتم وفى مليط كثير من اشجار النخيل وتزرع فيها الفواكه بانواعها وتروى بماء الابار التى تحفر فى بطن ذلك الوادى  ذى الجيرات الحسان .
سقى المطيرة ذات الظل والشجر** ودير عبدون هطال من المطر
وطالما صحبتنى للصبوح بها ** فى غرة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير فى صلاتهم ** سواء المدارع نحارين للسحر
                               ***
حياك مليط صوب العارض الغادى ** وجاد واديك ذا الجنات من واد
فكم جلوت لنا من منظر عجب ** يشجى الخلى ويروى غلة الصادى
أنسيتينى برح الامى وما اخذت ** منا المطايا بايجاف وإيجاد
كثبانك العفر ما أبهى مناظرها ** انس لذى وحشة رزق لمرتاد
فباسق النخل ملء الطرف يلثم من ** ذيل السحاب بلاكد واجهاد
كأنه ورمالاً حوله ارتفعت ** أعلام جيش بناها فوق اطواد
واعين الماء تجرى من جدوالها * صوارماً عرضوها غير اغماد
والورق تهتف والاظلال وارفةً ** الريح تدفع مياداً لمياد
لو أستطعت لاهديت الخلود لها ** ولوكان شئ الى الدنيا لاخلاد
انت المطيرة فى ظل وفى شجر ** فقدت أصوات رهبان وعباد
أعيذ حسنك بالرحمن مبدعةً** ياغرة العين من عين حساد
وضعت رحلى منها بالكرامه فى ** دار ابن جدتها نصر بن شداد

ابرز اعلام التيار والتقليديه المحافظ
عبد الله عبد الرحمن:-
شاعر من شعراء التقليد البارزين
ولد فى اسرة دينيه (1892م) جده شيخ علماء السودان العلامه محمد الامين الضرير وهو احد رجال الدين المعممين . درس فى كلية ( غردون) وتخرج منها ثم اصبح عضواً فى هيئة ( مؤتمر الخريجين) من آثاره الشعريه ديوان ( الفجر الصادق ) صدر فى مصر 1947م وهو يضم شتى الحوادث قى شتى المناسبات .
يمتاز شعره بنفحته الدينيه ( النبويات والهجريات) ونزعته الوطنيه الاجتماعيه التى تستعيد مجد العرب وتحارب اعداءهم وتستلهم ايام الاسلام وتدعو الى الاتحاد ونبذ التفرقة وتحض الامة على العلم لتحقق للوطن اماله فيعزجانيه ويرتفع شانه كما يمتاز بوصفه لمناظر الطبيعة فى السودان ويضم بعض القصائد فى رثاء الشخصيات الوطنية .لكن هذا الشعر مشوب ببرودة الاديب الواعظ والناصح المرشد ومفتقر معظمه الى اللهب وحرارة الاسلوب الذى لايكتفى بالوصف والاخبار وانما يمتزج بالمشاعر ويعبر عن تجربةً أما طابعه العام فهو عربى الاثر لاقليم بلاده فيه مصوغ بعبارات الاقدمين واوزارنهم ومستعار من صيغهم ومجازاتهم وتعبيراتهم المأثورة حتى وصفه الطبيعه فى السودان وإن كانت هذه القصيدة لاتخلو من ملامح تصور بيئه الشاعر وعادات سكانها الحقيقيه .
عبد الله البنا:-
ولد فى رفاعه (1891) وتعلم القرآن فى منزله . فلما ترعرع ارسله والده الى قسم المعلمين فى كلية (غردون) فتخرج فيها عام 1912م وانتظم ضمن مدرسى الحكومه ثم اصبح استاذاً فى الكلية وعميداً للادب العربى فيها ومن اثاره الشعريه ديوانه المسمى (ديوان البنا)
البنا كزميله عبد الرحمن شاعر مقلد وعظ (ورثى) وتغزل ودعا الى الاخلاق الفاضلة ، ودمعت عينه على اللغةالعربية ووصف البطانة فى زمن الخريف باسلوب نهج فيه نهج الاقدمين وجرى على عادة من سبقه فى معارضة القصائد وتشطيرها وتخميسها إلا انه برغم خضوعه للتقليد كان أكثر نجاحاً من  عبد الله عبد الرحمن فى اسلوبه من حيث السهوله واللين وحلاوة النغم ورقته فقد تسربت آثار الحضارة والتعليم فى اسلوبه ففتت من تماسك العباره عنده وآثرت الالفاظ المالوفة والعبارات الدراجة والاسلوب القصصى مما أكسب شعره حركة ونشاطاً وجريانا حيا فى بعض الاحيان .
محمد سعيد العباسى :-
      ولد بالكوة ( مديرية النيل الابيض) عام 1881م وقرأ العلوم العربية والفقهية على نخبة من كبار علماء السودان ثم سافر الى مصر عام 1889م للدخول بمدرستها الحربيه فبقى فيها سنتين كاملتين أستقال بعدهما من المدرسه ورجع الى الخرطوم ليلازم اباه فيها ولكنه ظل يحن الى مصر ويذكر ارجاءها وحرمها والنيل ويحى شعراءها وكتابها من مثل شوقى وحافظ الرافعى وغيرهم من اثاره الشعرية ديوانه المسمى (ديوان العباسى ).
   يعد هذا الشاعر فى الطبقه الاولى بين شعراء التقليد بل لعله ابرعهم جميعاً عالج فى شعره القضايا العامه فوقف فى صف العروبه والاسلام وذم الغربيين ودعاعليهم بالفناء وانكر على حضارتهم شرورها وإذلاها لبنى قومه واتهم

المجددين من دعاة الادب القومى بمالاة المستعمر والعمل على تحطيم السلاح الوحيد الذى يجب ان يعتمدوه فى مقاومةالاجنبى وهوالاتحاد مع مصر والتشبث بالماضى العربى الاسلامى ونعى على قومه تفرق شملهم وجهلهم معنى الحياه ووقوعهم فى اشراك المقرضين وحبائل الصيادين من مدعى الزهادة الدجالين واعلن تمسكه بالثقافة العربية فظل شعره أقرب الى البدواة منه الى الاسلوب العصرى الحضرى يلتزم فيه طريقه الاقدمين ويقف على الاطلال ويذكر ديار الاحبة ويحن الى اهلها الظاعنين ويبث اشجانه ويشكو الزمان الذى خانه لكنه يمتاز من شعر زميليه السابقين بفخامة العبارة وقوة الاداء وحسن الوقوع يرسل صاحبه فيه نفسه على سجيتها
ويقف من الدين مؤقفاً إيجابياً بناء يخلو من الوعظ ويقترب من الاسلوب التجديدى فى تفصله بعض تجاربه النفسيه وخصوصاً فى مطالع قصائدة مما جعل محاكاته مطبوعةً .                                                      
الاتجــــاه التـــــجديدى
     التجديد فى الادب السودانى عامة والشعر السودانى خاصة بدأ فى الربع الثانى من القرن العشرين عندما أخذ عدد متزايد من المثقفين يمل التقليد الذى كان عليه الادب السودانى ويتبرم به ويتطلع الى نوع جديد من الادب كما ( يقول المحجوب) لايقتصر على تقليد الماثور بل يلتفت الى السودان المعاصر فيصوره فى جميع عناصره واو ضاعه ولا يقتصر على مايجد له شبيها في الأدب القديم ورفض شعراء الجيل السابق لهم أصحاب المدرسة التقليدية أمثال محمد سعيد العباسي وعبد الله البنا وعبدالله عبد الرحمن وغيرهم دعوة التحديد واخذوا يشككون فيها ويتهمون أصحاب دعوة التجديد بتقليد الأعاجم .يقول فيهم عبدالله عبد الرحمن
لقد منيت ام اللغات بفتية **طغام علي اعلامها تتمرد
قد شربوا حب الاعاجم فاتروا**الي هذه الفصحي سهاما تسدد
ماهو تجديد فتكبر امره ** ولكن دعاوي منهم وتزيد
    وهذا الموقف بين المقلدين والمجددين لاينحصرفي السودان فحسب انه صورة لما كان يحدث في العالم العربي عامة.في خلال قرن من الزمان وقد تباين الادباء العرب في تأثرهم بالتيار الغربي وهم ليسو أمة واحدة ذات ثقافة وأحدة ولكن امم شتي لها أذواق مختلفة واداب متباينة ولغات عديدة ومن العسير أن تحدد مدي تاثير الأدب العربي المعاصر تاثر اولأ بالثقافة الفرنسية (حملة نابليون , الارساليات التبشيرية) ثم بالأدب الأنجليزي عن طريق الأستعمار ) اذ أن الطالب في التعليم المدني في السودان ومصر والعراق وهو فى مرحلة الدراسة الثانوية يلم بشيء من الأدب الأنجليزي من قصة وشعر ويؤدي فيه امتحانا ,ثم يختزنه في عقله الواعي او في عقله غير الواعي ويظهر تاثيره حبن يكتب وحين يفكر وحين يغرض الشعر هذا بالأضافة الي التخصص في الجامعات ثم كان التاثر باللأدب الروسي والادب الامريكي عن طريق ادباء سوريا والمهجر دعاة مدرسة التجديد في الادب السوداني مقالاتهم في مجلة ( حضارة السودان) سنة 1927م وسنة 1930م ثم في مجلة ( النهضة السودانية) من سنة 1931م اي سنة 1933م ثم في مجلة الفجر في سنتي 1934م-1935م ولعل اوله في الدعوة الي التجديد الي ابراز الطابع السوداني في الادب حمزه الملك طمبل الذي كتب مقالاتة في مجلة النهضة سنة 1927م ثم جمعها في كتيب عنوانه ( الادب السوداني مايجب ان يكون عليه )طبعة بالمطبعة الرحمانية في مصر سنة 1928م ثم تبلورت هذه الدعوة علي يد الاستاذ محمد أحمد محجوب في بحث توجيهي اهداه الي المهرجان الادبي بامدرمان وطبعه

بالخرطوم سنة 1941م في كتيب بعنوان ( الحركة الفكرية في السودان الي أين تتجة )اما طنبل ناقد يطبق المقاييس الجديدة علي الادب السوداني ويستخرج منها نتاج أو احكام فيقول (ظهرة في ميدان الادب السوداني بوادر حركة التجديد من شبان الجيل الثاني من خريجي كلية غردون والمعاهد المصرية والجامعة الامريكية ببيروت ومن مفكري هذه الحركة معاوية نور محمد أحمد محجوب وظهرة كتاباتهم في مجلة
 ( النهضة) و(الفجر) ومن شعراء هذه المدرسة التي عرفة بمدرسة الفجر – يوسف التني ومحمد احمد محجوب وغيرهم وقد اتسم شعرهم بالنزعة الرومانسية التي نجدها عند جماعة أبولو وشعراء المهجر ومن الروافد المهمة في هذه المدرسة بعض شعراء المعهد العلمي  من دعاة التجديد وأبرزهم وابعدهم صيتاً التجاني يوسف بشير وفي شعره ميل الي التامل الصوفي الرومانسي )وهناك جماعة لم يتاثروا بمدرسة الفجر وقد ظهروا في اعقابهم كما انهم لم يتاثروا باى من المدارس الادبيه خارج السودلن ويتصدر هذه الجماعه من كبار الشعراء المرحوم د. عبد الله الطيب الذى يميز هذه الجملعه هو نفورها من التقليد ( فى التجديد)  فى اى صورة من صوره وتمسكها بتراكيب الشعر وصحة اللغة وتمسك اصحاب مدرسة الفجر بعوة القوميه السودانيه وجعلوها اساسا من اسس التجيد فى سبيل الصدق فى التعبير عن الطابع السودانى الصادق حمزة الملك طنبل الى تبديل كامل للقيم الفنيه الاتجه فلاتهمه فى الاسلوب بقدرما يهمه التعبير الصحيح عن وجه من وجوه الحياه السودانيه وبفضل شعرا يحاول ناظمه تصوير منظر ووصف تجربة توجد حقاً فى السودان مهما يكن الشعر ضعيفاً او ركيكاً على شعر فخم ضخم يعارض ناظمه احدى القصائد العربيه المشهوره فيخضع لسطانها فهو يقول او وضعهنا كل المعارضات فى كفة ميران ووضعنا الابيات التى يسخر منها الناس للشيخ حسن بدرى .
جاء الخريف وصبت الامطار ** والناس جمعاً للزراعه ساروا
هذا بمفرده وذلك بابنه ** والكل فى الحش السريع تباروا
لرجحت كفة ابيات الشيخ حسن لانها تعطى صورة صحيحة لوجه من وجوه الحياة فى السودان
بعد الحرب العالميه الثانيه ظهرت اليقظة الوطنية فى الشعر السودانى وصارت كراهيته للمستعمر الاجنبى الذى هو راسى الفساد والموضوع بين كل الشعراء وادراك الادبا فى السودان علاقة الادب بالجماعه من شعب وحكومه وكيف ان الادب ويخاطب روح الشعب واحساسه ويدفعه للخير او للشر وكثيراً  مايقف الادب يخاطب روح الشعب واحساسه ويدفعه للخير او للشر علاقة الادب بالجماعه هى اهم العلاقات لان الادب وظيفته تبليغ الرسالات الفكرية الى الوسط ثم الى العالم الحاضر والمقبل وكان للشعر السودانى دوره الواضح فى مكافحة الاستعمار حتى نال السودان استقلاله يقول التنى .
قنع الشعب بالكفاف ركودا ** وممات الشعب هذا الركود
ويقول جعفر حامد البشير متحدثاً عن حال السودان قبل الاستقلال
حتام ياقوم حتى فى تخلصنا ** من ربقة الذل يغدو راينا شيعا
اواه انى اقسى الفيظ يفعنى ** من أمة لاتحس الضر والوجعا
انتشر المذاهب الفكريه الادبيه وارتبط السودان ارتباطاً كاملاً بالتيارات الثقافيه المعاصرة فى جميع انحاء العالم وفى الشرق العربى خاصة ونجد فى الشعر السودانى وقد عما التجديد انعكاساً لفترة القلق والحير والاضطراب التى
صورتها التيارات الادبيه فى العالم الرومانسيه او التخلص من الرومانسية، الشعر الكفاحى، مناصرة الشعوب  ،الواقعيه، الرمزيه ،السرياليه ...الخ ساير الشعر السودانى المعاصر حركة التجديد فى موسيقى الشعر فنظم الشعراء السودانيين قصائده شعر منثور وشعر مرسل وشعر حر وقلدوا كغيرهم من شعراء العرب شعراء الغرب ونظموا فى شعر التفعيلة الواحدة
نماذج للتيار التجديدى :-
الشاعر تاج السر الحسن
الكوخ :-
ذلك الكوخ ذكريات تلاشت فى طوايا طفولتى وصبايا
ذلك الكوخ منزلى وهنا بالامس كانت معربدات خطيا
كان انشودة وكنت صداها كنت لحناو كان لى هو نايا
وبقايا خطوى عليه تنادى صارخات الى لقاى لقايا
ذلك الكوخ فى جوانبه امى وفيه اخوتى يمرحون بين رحابه
وهنا والدى يجى مع الليل ليقضى المساء بين شعابه
حيث كنا نقضى الاماسى فرحى فى حديث نتبه فى حلابه
واخى جالس يحدق فينا  كلما زاد فى اعجابه
هو طفل واخته مثله ترنو
لحدثى مشفوقة ممابه
وهى لا ترتضى حديث حينا
فلها ان تردنى لصوابه
الشاعر جيلى عبد الرحمن
الفخر فى قرية
وترامت فى حضن الظلة
اكواخ راجفة جهمة استقبله
نامت كى تصحو فى الفجر
ويطل الديك على دور
تجثو فى الليل المضفور
وتهادت أنه طنبور
مازالت تضرب فى الماء
ايد تسقى
وينام هناك على السطح
عم سعيد
والوجه القمحى الطيب
الشاعر محمد مفتاح الفيتورى
اغانى افريقيا
ياأخى فى الشرق فى كل سكن ** يا أخى فى الارض فى كل وطن
أنا أدعوك .......فهل تعرفنى ** ياأخاً اعرفه رغم المحن
إننى مزقت أكفان الدجى ** إننى هدمت جدران الوهن
لم اعد مقبرة تحكى البلى ** لم اعد ساقية تبكى الدمن
لم اعد عبد قيودى لم اعد ** عبد ماضى هرم ، عبد وثن
اناحي خالد رغم الردى ** اناحر رغم قضبان الزمن
فاستمع لى ... استمع لى انما ** اذن الجيفة صماء الاذن
                         ***
الملابين افقت من كراها ** ماتراها ملا الافق صداها
خرجت تبحث عن تاريخها ** بعد ان تاهت على الارض وتاها
حملت اقوسها وانحدرت ** من روابيها واغوار قراها
فانظر الاصرار فى اعينها ** وصباح البعث يجتاح الجباها
ياأخى فى كل ارض وجمت ** شفتاها واكفهرت مقلتائها
قم... من تحرر من توابيت الاسى ** ليست اعجوبتها او مومياها
انطلق فوق ضحاها ومساها ** ياأخى قد اصبح الشعب الها
أبرز أعلام التيار التجديدى :-
حمزة الملك طنبل
رائد من رواد الادب الرومانطيقى فى السودان ظهر على مسرح الحياة الادبية عام 1927م حيث كتب فصوله النقديه ( الادب السودانى ) ففتح اعين الناس على بوادر الشعر التقليدى ووجه انظارهم الى ادب سودانى جديد مستمد من حياة الشاعر ومنبثق من بيئتة وطبيعة ارضه .
ثم جاء علم 1931م فنشر مجموعة شعرية (باسم الطبيعة) كان تطبيقاً لارائه فى النقد فتخلص الشعر على يديه من بعض عيوب الطريقة القديمة كالتخميس , والتشطير , ومعارضة القصائد , والإحتفال بالمطالع التقليديه واتجه نحو وحدة الموضوع وجعل همه المعنى لاالمبنى وعبر عن تجارب الشاعر ورسم بعض ملامح من بيئة فكان شياً جديداً الافى وحدة الالفاظ وتغليب الاوزن الطويلة المنبسطة
تاثر طنبل بمذهب الناقد الانكليزى (ار نولد) القائل أن الفكرة فى الشعر هى جوهرة وهى فيه كل شي فجاء شعره
متاملا متصقلا اقرب الى الاسلوب المحلل منه الى الاسلوب الفنى المعبر .
محمد احمد محجوب .
ولد المحجوب بمدينة الدويم فى عام 1908م وكان ذلك وقتا يستجمع فيه السودان انفاسه بعد هزيمة المهديه على ارض المعركه ويبدوا عهدا جديدا من الزمان .
بدا المحجوب دراسته عندما التحق بالمدرسة مع ابن خاله محمد عبد الحليم الذى ساهم معه فيما بعد فى وضع كتاب موت دنيا فظل يتدرج فى السلم الوظيفى الى ان تخرج فى كلية غردون عام 1919م مهندسا ثم التحق بالعمل فى مصلحة الاشغال بعد تخرجه اذ انه عمل بمدينة الخرطوم وله اثاره الادبيه وهى (نحو الغد ) ( الديمقراطيه فى الميزان ) مسبحتى ودنى ) لقد كانت اسهاهته لاتحصى فى الحركة الادبيه .
التجانى يوسف بشير :-
هو احمد التجانى بن يوسف بن بشير بن الامام جزرى الكتيابى او الكتياب بيت مشهور من بيوت السودان ، ممتاز بين قبائل الجعلين الذين عرفوا باالاقدام والكرم والسماحة وعلى هذا فشاعرنا نشأ فى بيئة ذات تعاليم وتقاليد وكان مولده فى ام درمان عام 1910م ولقب بالتجانى تيمناً بصاحب الطريقة المعروفة وهذا الطابع الدينى ظاهر فى شعر التجانى الصوفى ثم دفع وهو صغير الى خلوة عمه شيخ محمد الكتيابى فى ام درمان فلم ينتقل من الجو الذى عاش وإنما إرتقى من درجة الى درجة الم فى المعهد بعلوم العربية وابتدأ بقرض الشعر بين أنداد له ومن أثاره الادبية ديوان ( إشراقة )
مسايرة الآدب للبيئة السياسية والإجتماعية والطبيعية
البيئة الطبيعية
يعتبر جمال السودان الطبيعى جذاباً واختلافاته التى ترضى مختلف الأمزجة التى لا تقف عند الجمال من زاوية أو تقنع من الجمال باقله واندره ولعل الناس والشعراء بوجه الخصوص . ممن يقدسون الجمال المتمثل فى عناصر الحياة والمخلوقات فى السودان الصحارى الممتدة هنا وهناك مشبعة بالرمال الصفراء , موتدة بالجبال والتلال منهورة بالوديان والخيران مشربة بالشجيرات التى تتلظى بحرارة الصحراء , راجية فى السماء بين خريف وخريف.
وهناك الغابات والأدغال التى لا تكف سماؤها عن الهطلان باعثة خيراً وتاركة نفعاً وحياة .
بين هذا وذاك مناخ آخر يمسح اكبر رقعة من السودان وتنتشر اكثر القبائل راعية زارعة تستخرج من الأرض خيرات لا تحصى , وفيها من الجمال والحسن ما يجعل الشاعر السودانى يعبد وطنه ويقدس أرضه وينظمها هى اصدق تصويراً وادق حواراً بينه وبين وطنه الذى يمده بجمال من عنده لا ينفد .
وشعراء السودان الذين تناولوا الطبيعة فيه عددهم لا يحصى وقصائدهم جاءت فصيحة وعامية تخلد ربوع السودان وتبعثه وطناً ممجداً بين الأوطان العربية والإفريقية وفى هذه القصائد نجد نفس الشاعر ممزوجة بالحنين إذا أغترب , وغارقة فى الشوق اذا أقترب لا يفتر عن المناجاة ولا يكف عن المناجاة يصب بقدر ما يعب , ويهب دون افراط ويمسك دون تفريط .
ومع الشاعر فضلنى جماع فى قصيدته ( كردفان تصحو ) نجد وجهاً طبيعياً يضعه الشاعر رسماً بالكلمات وذلك بعد
ان يفرغ كل معاناته وهو أحبسه التى ظلت تراوده.
يا كردفان انا هنا
حيران احتقب الهموم ... أجول محتاراً وحيد
وانا هنا فى غابة الاسفلت .. فى الخرطوم كالناى الحزين
اشدوا بحسنك اكتب الاشعار فيك
او اه لواعطيت اجنحة لكنت عبرت افاقا وافاقا اليك
وتخذت تحت (السنط) و(الهجليج ) متكى الجميل
وقبعت ابسم للرعاة حداؤهم ينداح اذ ينداح ضوء الفجر فى كل الحقول
ورقصت جذلان المشاعر عند دندنة الطبول
و لكن من الحان قريتنا وعرس شبابنا
نمقت الاف المقاغطع والقصيد
واهتف فى شيطان شعرى : لاتخف اليوم عيد
ياكردفان انا  مغنيك الذى حمل الهموم
يسقك بحر مشاعر : ويسح انهار الدموع
انسانك المحروم رغم شقائه حمل المشاعل والشموع
سجع المقاطع من تلالك والربوع
فى صوته ابصرت برقك حين شال
ورايت رويلا ادعج العينين يرمح فى التلال
واللحن ياخذنى اليك... الى الرمال
صوت المغنى وهو ينشد ذلك اللحن الجميل
(مكتول هواك .. ياكردفان )
(مكتول هواك .. انا من زمان )
قصيدة تبلدية
الشاعر: جعفر محمد عثمان خليل
ذكرى وفاء وود
 
عندى لبنت التبلدي
  
فى كل خفقه قلبٍ
 
وكل زفرة وجد
  
فيا إبنة الروض ماذا
 
جرى لمغناك بعدي
  
مازلتُ وحدك إلفى
 
ياليتني لك وحدي
  
لا تحزني أن تعرت لدى المصيف فروعك
  
أو أن يبست فبانتْ من الذبول ضلوعك
  
فدون ماراع قلبي من الأسى ما يروعك
  
أنا لن يعود ربيعي لكن يعود ربيعك
  
وكم تلفت خلفي بحيرة والتياع
  
الركب يمضي بعيداً عن حالمات البقاع
  
وللغصون الأعالي فى الريح خفق الشراع
  
كأنها منك كف قد لوحت لوداع
  
يقول الشاعر السوداني والنوبي جعفر محمد عثمان خليل عن شجرة تبلدية كانت فى داره بمدينة الدلنج: شهدتُ عهد صباها وشهدت أيام شبابي الزواهر ولياليه السواهر ثم فارقتها بعد طول إلفة وجوار – مرت السنون ولم يزل بعدي إليها وإلى عهودها شوق وحنين، وقد إستخدم الشاعر غصن التبلدية الأعلى الظاهر فوق سور منزله تحركه الرياح يمنة ويسرة كزراع إنسان يلوح له بالوداع. وهذا قمة التشبيه المجازي البليغ والذى يجسد مدى العلاقة الحميمة والإلفة التى كانت تربط بين الشاعر وشجرته صورها لنا قلمه البارع.
البيئه السياسيه
تمخضت حياة الامه السودانيه عن كثير من النضال والكفاح والدفاع وذلك عبر الاجيال وفى وجه الدخيل او المستعمر او الخائن صياته لحقوق الامة وحفظا لشرفها وضمانا لمستقبلها .
وقد اتخذا النضال جوانب عديدة من الالوان لتعدد الاسلحه التى يستعملها السودانى فى الميادين المختلفه ، فكان هناك فى الميدان الجندى حامل السلاح والقانون صاحب الراى ،و السياسى الذى لايكل الى جانب الاديب الناثر الناظم .
والشاعر السودانى خلال معايشته للاحداث التى تثير فيه النخوة والنصرة ولايجد مناصاًامن الدفاع بقلمه ، ودفاع القلم الحر لايقل عن استعمال احدانواع السلاح فقد كان حريصا كل الحرص على سلامةكيان امته الى اقصى الحدود
والمدهش فى الشعر السودانى كما هو الحال عند الشعراء السودانيين إن النضال لا يعنى ان تكون الحرب دائرة ولا يعنى بالضرورة أن يكون فى الميدان قتلى وفى الساحة مكافحون ولكن يكفى ان تكون هناك فكرة مهضمومة الحقوق
مضطهدة بين الافكار لا تجد مناصراً ولا صديقاً ويتصدى الشاعر للمهمة الصعبة فتجد فى شعره راحتها وعنده كل اخلاص. وليس للنضال او الوطنية الصادقة فى السودان تاريخ للبداية او موعد للنهاية فهو مرتبط بالحياة ارتباطاً لاإنفكاك منه يحدوها ويثير فيها الكوامن لتؤدى دورها بثقة , ذلك لا وضع السودان الجغرافى جعله عرضة للرائح والغادى ولكل طامع ولو على البعد , فاتجهت نحوه الأيدى القذرة وامتد اليه الافكار الدخيلة وصالت حوله خيول غريبة همها التخريب , ويلاحظ أن النضال اتخذ الطابع الدينى فى اغلب الأحيان واتخذ طابعاً وطنياًبحتاً يدافع عن التراب خلواً من العقيدة ولكنه مفعم بالمعتقدات فتحكمه البيئة وتوجهه الى حيث يصيب الهدف وينال الغاية .
الشاعر خليل فرح
عزة فى هواك
عزة فى هواك نحن الجبال
وللخوض صفاك نحن النبال
وبحسب النجوم فوق الرمال
عزة ما سليت وطن الجمال
ولا ابتغيت بديل غير الكمال
قلبى لسواك ما شفته مال
خذينى باليمين وانا راقد شمال
عزة فى هواك سحر حلال
ونار هواك شفاوتيهك دلال
تزيدى كل يوم عظمة اذاداد جلال
عزة شفت كيف نهضوا العيال
جددوا القديم وتركوا الخيال
كلمة ( وللبخوض) تحوى تعبيراً غريباً وهو دخول لامين على الفعل ( خوض) بمعنى الذى وهذا ما افتضاه الوزن .
وكامة ( بنوم) حرفت من كلمة ينام وكلمة (بحسب) حرفت من احسب ثم كلمة (شفت) بمعنى عرفت وفى القاموس (شفت) شوفاً بمعنى جلوته ثم نجد ( نهضوا) العيال ) فاعلان فى جملة واحدة وهذا مالوف فى لغة العرب يلحقون بالفعل علامه الجمع اذا كان الفعل جمعاً وفى القرآن ( واثروا النجوى الذين ظلموا ) وفى الشعر العربى يقول الشاعر:-
يلو مننى فى الدين قومى وانما ** ديونى فى اشياء تكسبهم حمداً
أيضاً نتناول قصيدة وطنية أخرى والتى أختيرت وأصبحت نشيداً وطنياً وهى قصيدة نحن جند الله، والتى شاركت فى مسابقة عامة حول الأعمال الشعرية تشيد بقوة دفاع السودان (نواة الجيش السودانى) عند تأسيسها فى عام 1955م.
        وعندما نال السودان استقلاله فى عام 1956م، اختيرت الأبيات التسعة الأولى لتكون نشيداً وطنياً. والقصيدة من تأليف الشاعر أحمد محمد صالح وتلحين الموسيقار العقيد أحمد مرجان من سلاح الموسيقى 1958م ويطلق عليه رسمياً اسم السلام الجمهورى (خاصةً عند عزفه)، كما يسمى اختصاراً نشيد العلم أو تحية العلم التى يقول الشاعر فيها:

نحن جند الله جند الوطن
  
إن دعا داعٍ الفدا لن نخن
  
نتحدى الموت عند المحن
  
نشترى المجدَّ بأغلى ثمن
  
هذه الأرض لنا
  
فليعش سوداننا علماً بين الأمم
  
يا بنى السودان هذا رمزكم
  
يحمل العبء ويحمى أرضكم
  
نحن أُسد الغاب أبناء الحروب
  
لا نهابُ الموت أو نخشى الخطوب
  
نحفظ السودان فى هذى القلوب
  
نفتديه من شمال أو جنوب
  
بالكفاح المًرُّ والعزم المتين
  
وقلوب من حديد ٍ لا تلين
  
نهزم الشرَّ ونجلى الغاصبين
  
كنسور الجوِّ أو أُسد العرين
  
دفع الردى
  
نصدُّ من عدا
  
نردُّ من ظلم
  
ونحمى العلم
  
فكانت القصائد الوطنية الرائعة كثيرة جداً غير قصيدة عزة فى هواك وتحية العلم فقد وجدت قصيدة (أنا سودانى أنا) نفس المكانة من الشهرة والإنتشار فى ربيع الوطن الحبيب فقد كان شاعرها مناضلاً ومشاركاً فى الحركة السياسية التى غيرت معاناة المجتمع السودانى وذلك برحيل المستعمر والقصيدة هى:
أنا سودانى أنا
الشاعر: محمد عثمان عبدالرحيم
كل أجزائه لنا وطن إذ نباهى به نفتتن
  
نتغنى بحسنه أبداً دونه لا يروقنا حسن
  
حيث كنا حدت بنا ذكرٌ ملؤها
  
الشوق كلنا فداه
  
نتملى جماله لنرى هل لترفيه
  
عيشه ثمن
  
خير هذه الدماء نبذلها
  
كالفدائي حين يمتحن
  
بسخاءٍ بجرأة بقوى لا ينى
  
جهدها ولا تهن
  
أيها الناس نحن من نفرٌ عمروا
  
الأرض حيث ما قطنوا
  
يذكر المجد كلما ذكروا هو
  
يعتز حين يقترن
  
حكموا العدل فى الورى زمناً
  
اترى هل يعود ذا الزمن
  
ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها
  
حطة ولا درن
  
نزحوا لا ليظلموا أحداً لا و لا
  
لإضطهاد من أمنوا
  
وكثيرون فى صدورهم تتنزى
  
الأحقاد والإحن
  
دوحة العرب أصلها كرم وإلى
  
العرب تنسب الفطن
  
أيقظ الدهر بينهم فتناً ولكم
  
افنت الورى الفتن
  
يا بلاداً حوت مآثرنا كالفراديس
  
فيضها منن
  
فجر النيل فى أباطحها يكفل
  
العيش وهى
  
رقصت تلكم الرياض له وتثنت
  
غصونها اللدن
  
وتغي هزارها فرحاً كعشوق
  
حدا به الشجن
  
حفل الشيب والشباب معاً
  
وبتقديسه العمين عتوا
  
نحن بالروح للسودان فدا فلتدم
  
أنت أيها الوطن
  
الشاعر:-
        ولد الشاعر محمد عثمان عبدالرحيم بمدينة رفاعة 1914م تخرج فى كلية غردون التذكارية عام 1931م وكان عضواً فى لجنة (الزعفران) التى قادت أول إضراب للطلاب فى السودان ضد المستعمر البريطاني أحرز الجائزة الثانية فى مسابقة الإذاعة البريطانية عام 1940م والمهرجان الأدبي الرابع الذى أقيم بالأبيض عام 1944م طبع ديوانه الأول رياض لأدب عام 1947م فى القاهرة وقدمه الشاعر إبراهيم ناجي كان عضواً فى اللجنة الفرعية لمؤتمر الحرجيين بعطبرة وهو أحد مؤسسي اللجنة الفرعية الأدبية بنادي الخريجيين بعطرة ... عمل سكرتير اللجنة التمهيدية التى تحصلت على التصديق بقيام النادي الأهلى بعطبرة.
البيئة الاجتماعية
لم يعرف المجتمع السودانى تمزقاً اجتماعياً فى جميع ادوار تكوينه  تاريخياً مثل التمزق الذى عاناه فى الربع الاول من القرن العشرين تحت أقدام الغذو الغربى المتمثل فى بريطانيا ولعل اهم هذا التمزق المنحرف الحضارى الذى وقع نتيجة لرياح الحضارة المطدمة بجمود التخلف وركوده  والتى حملت معها  مثلاً وقيماً جديدة لم تكن متعارفة من قبل اضف ا لى ذلك الصراع السياسى الذى حاول الاستعمار ان يتدخل فيه  وظهور عدة اتجاهات وقف وراها
حتى لا يسير فى الاتجاه المضاد لمصالحه ومن ثم كان يقف باستمرار فى صف القبلية والطائفية حتى  يشل قدرت المثقفين ويعطل خططهم الرامية لنشر الوعى بين الجماهير واعدادهم لفترة التحول ونتيجة لهذا الصراع فقد انقسم المجتمع السودانى الى قسمين شأنه فى ذلك شأن كل المجتمعات التى تمر بطور كهذا  قسم اثر الابتعاد عن هذه الحضارة ووقف بصلابة باعتبارها مفسدة للاخلاق وتعطيلاً للمثل التى ورثها الانسان السودانى عن اجداده فحارب كل نزعة للتطور باعتبارها بدعة ودعى للمثل الروحية والسير فى ركب المنهج الاسلامى باعتباره الطريق الامثل والاقوم والدرع الواقى لشباب هذا الجيل من انحرافات الحضارة الغربيه .وقسم اخر راى الاخذ بهذه الحضارة فى تحفز والاستفادة من محاسنها وتنظيم المجتمع على طريق سليم متحضر يستطيع مت خلاله ان يواجه عقبات التخلف التى تشل مقدرته على السير فى ركاب التطور الحديث .ولقد كان هنالك كثير من القضايا الاجتماعية افرد لها الشعراء قصائد بعينها من هذه القضايا قضية التعليم التى دعا فيها محمد سعيد العباسى الجميع بتقديم الدعم للتعليم وذلك من خلال قصيدة يوم التعليم حيث يقول .
العلم ياقوم ينبوع السعاد كم** هدى وكم فك أغلالا واطواق
فعلم النشاء علم يستبينو به ** سبل الحياة وقبل العلم اخلاقا
اقسمت لو كان لى مال لكنت به ** للصالحات وفعل الخير سباقا
ولا رضيت لكم بالغيث منهمراً ** منى ولا النيل دفاعاً ودفاقا
إن الشعوب بنوالعلم مؤتلقا ** سارت وتحت لواء العلم خفاقا
وطفوا ببقاع الجو فامتلكو ** عصيها وبقاع البحر أعماقا
فى الشرق والغرب تلقاهم وقد بسطوا** ظل الحضارة نقابين طراقا
فلو درى القوم بالسودان اين هم **  من الشعوب قضوا حزنا واشفاقا
جهل وفقر واحزاب تعيث به ** هدت قوى الصبر إرعاداً وإبراقا
إن التحزب سم فاجعلوا أبداً **ياقوم منكم لهذا السم ترياقا
فحاذروا كل مشاء بتفرقه ** يسمى ويصبح كالغربان نعاقا .
قصيدة دنيا الفقير
الشاعر: التجانى يوسف بشير
تعالى نعطر ثياب الفقير
 
ونمسح مآسى غير الربوع
  
بنفس من هان حتى توا
 
ضع فى نفسه كل رفيع
  
مشى خاشع الطرف رث الثياب
 
كئيباً كثير مرائى الخنوع
  
تأكله حسرة فى الضمير
 
وتسحقه خيبة فى الضلوع
  
يبين عليه إنكسار الفؤاد
 
و مسكنة المستذل الوضيع
  
وفى نفسه ظمأ للعطور
 
وفى روحه حرقات وجوع
  
ينام على ولهٍ بالثراء
 
ويصحو على نسمات الهزيع
  
فيرفع كفيه نحو السماء
 
ويضرع واهاً له من ضريع
  
وماذا يقول: الهى الكفاف
 
ويردفها بالبصير السميع
  
ويمسح فى وجهه راحتيه
 
ويقضى تقى أو رضى أو خشوع
  
معانى المفردات:-
مآسى: جمع مأساة / غبر: التراب  / الربوع: القبيلة أو المكان  / خاشع الطرف: ناظر إى أسفل
هان: ضعيف  / الخشوع: الضعف والذلة  / تسحقه: تقضى عليه  / خيبة: الفشل  / الوضيع: صغير المكانة  / ظمأ: عطش   / حرقان: حرقة  / جوع: مضوى الجوع في الروح  / الهزيع: جزء من الليل (شوق وشفق بالثروة).  / الكفاف: على قدر الحاجة   / يردفها: يتبعها.  / يقضى: ينظر إلى أسفل  / قريع: أعطف عليه وعلى قراعته.
شرح الأبيات:-
        فى هذه القصيدة يتحدث الشاعر عن الفقر ويصف فيها الإنسان الفقير والشعور الذى ينتابه حيث يستهل القصيدة بمخاطبة زهرات الخريف ويطلب منها أن تأتى إليه لكى تعطر ثياب الفقير وتمسح منه المأساة والغبار الذى عليه وأنْ هذا الفقير فى نفسه ضعف ولابد أنْ نضع فى نفسه كل معنى قيم وجميل وثراه ماشياً على الأرض ينظر إلى الأسفل وثيابه بالية تلاحظ عليه نظرة الضعيف الذليل وفى نفسه حسرة وألم وهذه الحسرة تقضى عليه وهى سبب الضعف والفشل وأنه يبين عليه إنكسار الفؤاد وأنه وضيع المكانة وأنه عندما ينام ينام يحلم بالثراء وإذا إستيقظ فى الجزء الأخير من الليل وعندما يرفع كفيه إلى السماء متضرعاً يسأل الله أن يعطيه قدر حاجته ثم بعد ذلك يمسح وجهه وينظر إلى أسفل فى تقى ورضى وخشوع.
تعليق على القصيدة:-
        فى هذه القصيدة يتعاطف التجانى يوسف بشير مع هذا الشعب الفقير فربط فيها بين الحاجة المادية والقيمة الأخلاقية وهذا التعاطف مع الشعب نلتمسه فى عدة قصائد أخرى مثل: (القمر المجنون) ، (المعهد العلمى) والتجانى يوسف بشير فى هذه القصيدة يلاحظ أنه لم يحلل أسباب المشكلة التى أدت إلى الفقر لأنه رومانسى والرومانسيين لا يستطيعون تحليل أسباب المشكلات لأن الأدب الرومانسى أدب عاطفى وخيالى لا يحلل الأسباب التى درت إلى ظهوره.
   



هناك تعليقان (2):